(والقول الثاني) أنه تتعين قراءة الفاتحة في الصلاة ولا تجزىء الصلاة بدونها، وهو قول بقية الأئمة مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأصحابهم وجمهور العلماء، واحتجوا على ذلك بهذا الحديث المذكور حيث قال صلوات الله وسلامه عليه: "من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج" والخداج هو الناقص كما فسر به في الحديث "غير تمام" واحتجوا أيضاً بما ثبت في الصحيحين من حديث الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله ﷺ "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" وفي صحيحه ابن خزيمة وابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول لله صلى الله عليه وسلم: "لا تجزيء صلاة لا يقرأ فيها فيها بأم القرآن" والأحاديث في هذا الباب كثيرة ووجه المناظرة ههنا يطول ذكره وقد أشرنا إلى مأخذهم في ذلك رحمهم الله.
ثم إن مذهب الشافعي وجماعة من أهل العلم أنه تجب قراءتها في كل ركعة. وقال آخرون: إنما تجب قراءتها في معظم الركعات. وقال الحسن وأكثر البصريين: إنما تجب قراءتها في ركعة واحدة من الصلوات أخذاً بمطلق الحديث "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي: لا تتعين قراءتها بل لو قرأ بغيرها أجزأه لقوله تعالى ﴿فاقرءوا ما تيسر من القرآن﴾ والله أعلم. وقد روى ابن ماجه من حديث أبي سفيان السعدي عن أبي نضرة عن أبي سعيد مرفوعاً "لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بالحمد وسورة في فريضة أو غيرها" وفي صحة هذا نظر وموضع تحرير هذا كله في كتاب الأحكام الكبير والله أعلم.