و "الصراط" فيه لغتان، السين والصاد، الاّ انا نختار الصاد لان كتابها على ذلك في جميع القرآن. وقد قال العرب "هم فيها الجَمّاءَ الغفيرَ" فنصبوا، كأنهم لم يدخلوا الالف واللام، وان كانوا قد اضهروهما كما أجروا "مثلك" و "غيرَك" كمجرى ما فيه الالف واللام وان لم يكونا في اللفظ. وانما يكون هذا وصفا للمعرفة التي تجيء في معنى النكرة. الا ترى انك اذا قلت: "إنّي لأَمرُّ بالرجلِ مِثلك" انما تريد "برجلٍ مثلِك". لأنك لا تحدّ له رجلا بعينه ولا يجوز اذا حددت له ذلك، الا ان تجعله بدلا ولا يكون على الصفة. ألا ترى أنه لا يجوز "مررت بزيدٍ مثلِك" الا على البدل. ومثل ذلك :"إنّي لأَمُرُّ بالرجلِ من اهل البصرة" ولو قلت: "إنّي لأَمُرُ بزيدٍ من أهل البصرة" لم يجز الاّ ان تجعله في موضع حال. فكذلك ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم ﴾.
وقد قرأ قوم ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم﴾ جعلوه على الاستثناء [٨ب] الخارج من اول الكلام. ولذلك تفسير سنذكره ان شاء الله، وذلك انه اذا استثنى شيئا ليس من أول الكلام في لغة أهل الحجاز فانه ينصب [و] * يقول "ما فيها أحدٌ إلاّ حماراً"، وغيرهم يقول: "هذا بمنزلة ما هو من الأول" فيرفع. فذا يجرّ ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ﴾ في لغته. وان شئت جعلت "غيرَ" نصبا على الحال لانها نكرة والأول معرفة، وانما جرّ لتشبيه "الذي بـ"الرجل". وليس هو على الصفة بحسن ولكن على البدل نحو ﴿بِالنَّاصِيَةِ﴾﴿نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ﴾.
ومن العرب من يقول:
"هِيّاك" بالهاء ويجعل الالف من "إيّاك" هاء فيقول "هِيّاك نعبد" كما تقول: "إيهِ" و "هِيهِ" وكما تقول: "هَرَقت" و "أَرَقْتُ".
وأهل الحجاز يؤنثون "الصراطَ" كما يؤنثون "الطريقَ" و "الزُقاقَ" و "السبيل" و "السوقَ" و "الكَلاّءَ". وبنو تميم يذكّرون هذا كله. وبنو أسد يؤنثون "الهُدى".