[و] قال ﴿ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ﴾ ولم يقل "ثُمَّ عَمِيَ وَصَمَّ" وهو فعل مقدم لأنه أخبر عن قوم انهم عَمُوا وصَمُّوا، ثم فسر كم صنع ذلك منهم كما تقول "رأيتُ قَوْمَك ثُلُثَيْهِم" ومثل ذلك ﴿وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾ وان شئت جعلت الفعل للآخر فجعلته على لغة الذين يقولون "أَكَلُوني البَراغِيثُ" كما قال: [من الطويل وهو الشاهد الخامس والثمانون بعد المئة]:
ولكِنْ دِيافِيٌّ أَبُوهُ وأُمُّهُ * بِحَوْراَنَ يَعْصُرْنَ السَّلِيطُ أَقارِبُه
﴿ لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ اله إِلاَّ اله وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾
[و] قال ﴿لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ﴾ وذلك انهم جعلوا معه "عِيْسى" [١٠٥ ب] و"مَرْيَمَ". كذلك يكون في الكلام اذا كان واحد مع اثنين قيل "ثالِثُ ثلاثَةٍ" كما قال ﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ﴾ وانما كان معه واحد. ومن قال: "ثالثَ اثْنَيْنِ" دخل عليه أنْ يقول: "ثَانِيَ واحِدٍ". وقد يجوز هذا في الشعر وهو في القياس صحيح. قال الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد السادس والثمانون بعد المئة]:
وَلكِنْ لا أَخُونُ الجارَ حَتّىَ * يُزيلُ اللهُ ثالِثَةَ الأَثافِي
ومن قال: "ثانِيَ اثْنَيْنِ" و"ثالثُ ثَلاثَةٍ" قال: حاديَ أَحَدَ عَشَرَ" اذا كان رجل مع عشرة. ومن قال "ثالثُ اثْنَيْنِ" قال: "حاديَ عَشْرَةَ" فأمّا قَوْلُ العَرَبِ: "حاديَ عَشَرَ" و"ثانيَ عَشَر" فهذا في العدد اذا كنت تقول: "ثانِي" و"ثالث" و"رابع" و"عاشر" من غير ان تقول: عاشرَ كَذَا وكَذَا"، فلما جاوز العشرةَ أرادَ أَنْ يقول: "حادي" و"ثاني" فكان ذلك لا يعرف معناه الا بذكر العشرة فضم إليه شيئا من حروف العشرة.


الصفحة التالية
Icon