قوله ﴿وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوا آمَنَّا﴾ فأذهب الواو لانه كان حرفا "ساكنا لقي اللام وهي ساكنة فذهبت لسكونه ولم تحتج الى حركته لان فيما بقي دليلا على الجمع. وكذلك كل واو ما قبلها مضموما من هذا النحو. فاذا كان ما قبلها مفتوحا لم يكن بد من حركة الواو لانك لو القيتها لم تستدل على المعنى نحو ﴿اشْتَرُواْ الضَّلاَلَةَ﴾ وحركت الواو بالضم لانك لو قلت "اشتر الضلالة" فألقيت الواو لم تعرف انه جمع، وانما حركتها بالضم لان الحرف الذي ذهب من الكلمة مضموم، فصار يقوم مقامه. وقد قرأ قوم وهي لغة لبعض العرب ﴿اشْتَرَوِاْ الضَّلاَلَةَ﴾ [٢٢ب] لما وجدوا حرفاً ساكنا قد لقي ساكنا كسروا كما يكسرون في غير هذا الموضع، وهي لغة شاذة.
وأما قوله ﴿ وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ﴾ فانك تقول "خلوت الى فلان في حاجة" كما تقول: "خلوت بفلان" إلاَّ أنَ "خلوت بفلان" له معنيان احدهما هذا والآخر سخِرْتُ به. وتكون "إلى" في موضع "مَعَ" نحو ﴿مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾ كما كانت "من" في معنى (علىَ) في قوله ﴿وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ﴾* اي: على القوم، وكما كانت الباء في معنى "على" في قوله "مَرَرتُ بِهِ" و "مَرَرْتُ عليه". وفي كتاب الله عز وجل ﴿مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ﴾ يقول "على دينار". وكما كانت "في" في معنى "على" نحو ﴿فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ يقول "على جُذوعِ النَخْل". وزعم يونس ان العرب تقول: "نزلت في أبيك" تريد "عليه" وتقول: "ظفِرتُ عليه" اي "بِهِ" و "رضيتُ عليه" أي: "عَنْه" قال الشاعر [من الوافر وهو الشاهد الرابع والعشرون]:
اذا رضِيتْ عَلَيَّ بنو قُشَيْر * لَعَمْرُ اللّهِ أعجبَنَي رِضاها
﴿ اللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾