وأما قوله ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا﴾ [و] ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا﴾ فزعموا - و الله أعلم - ان هذا على الوحي، كأنه يقول "ومِمّا أَقُصُّ عليكمُ الزانيةُ والزاني، والسارقة والسارقُ". ثم جاء بالفعل من بعد ما اوجب الرفع على الأول على الابتداء وهذا على المجاز كأنه قال "أمرُ السارقِ والسارِقة وشأنُهما مما نَقُصَّ عليكم" [٣٦ء] ومثله قوله ﴿مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ﴾ ثم قال ﴿فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ﴾ كأنه قال: "وَمِمّا أقُصُّ عليكُمْ مَثَلُ الجنة" ثم أقبل يذكر ما فيها بعد أن اوجب الرفع في الأول على الابتداء. وقد قرأها قوم نصبا اذ كان الفعل يقع على ما هو من سبب الأول، وهو في الامر والنهي. وكذلك ما وقع عليه حرف الاستفهام نحو قوله ﴿أَبَشَرَاً مِنّا واحِداً نَتَّبِعُه﴾. وانما فُعِلَ هذا في حروف الاستفهام لانه اذا كان بعده اسم وفعل كان أحسن ان يبتدأ بالفعل قبل الاسم، فان بدأت بالاسم أضمرت له فعلا حتى تحسن الكلام به واظهار ذلك الفعل قبيح.
وما كان من هذا في غير الامر والنهي والاستفهام والنفي فوجه الكلام فيه الرفع، وقد نصبه ناس من العرب كثير. وهذا الحرف قد قرىء نصباً ورفعا ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ﴾.
وأما قوله ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ فهو يجوز فيه الرفع وهي اللغة الكثيرة غير ان الجماعة اجتمعوا على النصب، وربما اجتمعوا على الشيء كذلك مما يجوز والاصل غيره. لان قولك: "إنّا عَبدُ اللّهِ ضَرَبْناهُ". مثل قولك: "عبدُ اللّهِ ضَرَبْناهُ" لان معناهما في الابتداء سواء. قال الشاعر [من المتقارب وهو الشاهد الرابع والخمسون]:
[٣٦ب] فأَمّا تَمِيمٌ تَميمُ بنُ مُرٍّ * فأَلْفاهُمُ القومُ رَوْبى نِياما
وقال [من الطويل وهو الشاهد الخامس والخمسون]: