وأما قوله ﴿وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ﴾ فانما ذكر الاسم المؤنث لان كل مؤنث فرقت بينه وبين فعله حسن أن تذكر فعله، إلاّ أَنَّ ذلك يقبح في الانس وما أشبههم مما يعقل. لأنَّ الذي يعقل أشد استحقاقا للفعل. وذلك ان هذا انما يؤنث ويذكر ليفصل بين [٤١ء] معنيين. والموات كـ"الارض" و "الجدار" ليس بينهما معنى كنحو ما بين الرجل والمرأة. فكل ما لا يعقل يشبه بالموات، وما يعقل يشبه بالمرأة والرجل نحو قوله ﴿رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ لما أطاعوا صاروا كمن يعقل، قال ﴿وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ فذكر الفعل حين فرّق بينه وبين الاسم، وقال ﴿لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ﴾ وتقرأ ﴿تُؤْخَذُ﴾. وقد يقال أيضاً ذاك في الانس، زعموا أنهم يقولون "حَضَر القاضيَ امرأةٌ". فأما فعل الجميع فقد يذكّر ويؤنث لأن تأنيث الجميع ليس بتأنيث الفصل الا ترى أنك تؤنث جماعة المذكرّ فتقول: "هِيَ الرَِّجالُ" و"هِيَ القومُ"، وتسمي رجلا بـ"بعال" فتصرفه لان هذا تأنيثٌ مثلُ التذكير، وليس بفصل. ولو سميته بـ"عَناقِ" لم تصرفه، لان هذا تأنيث لا يكون للذكر، وهو فصل مابين المذكر والمؤنث تقول: "ذهب الرجل" و"ذهبت المرأة" فتفصل بينهما. وتقول: "ذهب النساء" و"ذهبت النساء" و"ذهب الرجال" و"ذهبت الرجال". وفي كتاب الله: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ﴾ و ﴿وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ﴾. قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد السبعون]:
[٤١ب] فما تركتْ قومي لقومِكَ حَيَّةً * تَقَلَّبُ في بَحْرٍ ولا بَلَدٍ قَفْرِ
وقال ﴿جَآءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ [و] ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ﴾. [و] قال الشاعر اشد من ذا وقد أخر الفعل، قال: [من المتقارب وهو الشاهد الثاني والثلاثون]:
فإمَّا تَرَيْ لِمَّتِى بُدِّلَّتْ * فإنَّ الحوادِثَ أَوْداى بها


الصفحة التالية
Icon