في هذه الآية نداء لنبينا عليه الصلاة والسلام بوصف الرسالة (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ) ثم أمره بتبليغ ما أنزل إليه، فكان النداء بهذا الوصف في غاية المناسبة، حيث اصطفاه الله عز وجل وشرفه وأعلى قدره، وحمله تبليغ هذا الدين ودعوة الناس إليه، وإذا لم يقم الرسول بهذه المهمة وهي التبليغ، لم يكن مبلغاً عليه الصلاة والسلام، ثم عقب سبحانه وتعالى أنه حفظ رسوله عليه الصلاة والسلام
فقال (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) يقول ابن عاشور ولهذا الوصف في هذا الخطاب الثاني ( لأن الخطاب الأول هو قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ...) ) موقع زائد على موقعه في الخطاب الول وهو ما فيه من الإيماء إلى وجه بناء الكلام الآتي بعده وهو قوله تعالى (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) كما قال تعالى (مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ )(٢) فكما ثبت جنانه بالخطاب الأول أن يهتم بمكائد أعدائه، حذر بالخطاب الثاني من ملا يئتهم في إبلاغهم قوارع القرآن، أو من خشيته إعراضهم عنه إذا أنزل من القرآن في شانهم، إذ لعله يزيدهم عنادا وكفرا(٣)
ولهذا جاء في سبب نزول هذه الآية ما ثبت في صحيح البخاري عن عائشة قالت من حدثك أن محمدا كتم شيئا مما أنزل عليه فقد كذب والله يقول يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الآية) (٤)
وظاهر الآية يوجب تبليغ كل ما أنزل ولعل المراد به تبليغ ما يتعلق به مصالح العباد وقصد بإنزاله إطلاعهم عليه فإن من الأسرار الإلهية ما يحرم إفشاؤه )
(٥)


الصفحة التالية
Icon