وإجمالاً ممن فهم كلام العرب وتصاريف التعبير، فإنه إن تأملت أخباره وجدتها في غاية الحلاوة سواء كانت مبسوطة أو وجيزة وسواء تكررت أم لا، وكلما تكرر حلا وعلا، لا يخلق عن كثرة الرد، ولا يمل منه العلماء، وإن أخذ في الوعيد والتهديد جاء منه ما تقشعر منه الجبال الصم الراسيات، فما ظنك بالقلوب الفاهمات، وإن وعد أتى بما يفتح القلوب والاَذان، ويشوق إلى دار السلام ومجاورة عرش الرحمن كما قال في الترغيب ﴿فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون﴾ وقال: ﴿وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون﴾ وقال في الترهيب: ﴿أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر﴾ ﴿أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور * أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصباً فستعلمون كيف نذير﴾ وقال في الزجر: ﴿فكلاً أخذنا بذنبه﴾ وقال في الوعظ: ﴿أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون﴾ إلى غير ذلك من أنواع الفصاحة والبلاغة والحلاوة، وإن جاءت الاَيات في الأحكام والأوامر والنواهي، اشتملت على الأمر بكل معروف حسن نافع طيب محبوب، والنهي عن كل قبيح رذيل دنيء، كما قال ابن مسعود وغيره من السلف، إذا سمعت الله تعالى يقول في القرآن: ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ فأرعها سمعك فإنها خير يأمر به أو شر ينهى عنه، ولهذا قال تعالى: ﴿يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم﴾ الاَية، وان جاءت الاَيات في وصف المعاد وما فيه من الأهوال وفي وصف الجنة والنار وما أعد الله فيهما لأوليائه وأعدائه من النعيم والجحيم والملاذ والعذاب الأليم، بشرت به وحذرت وأنذرت، ودعت إلى فعل الخيرات واجتناب المنكرات، وزهدت في الدنيا ورغبت في الاَخرة، وثبتت على الطريقة المثلى، وهدت إلى صراط الله المستقيم وشرعه القويم، ونفت عن القلوب رجس الشيطان


الصفحة التالية
Icon