ثم قال تبارك وتعالى: ﴿إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة﴾ أي إنما يتعظ بما جئت به أولو البصائر والنّهى، الخائفون من ربهم، الفاعلون ما أمرهم به ﴿ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه﴾ أي ومن عمل صالحاً فإنما يعود نفعه على نفسه ﴿وإلى الله المصير﴾ أي وإليه المرجع والمآب، وهو سريع الحساب، وسيجزي كل عامل بعمله إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
( وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي ( ٦٧١هـ ) رحمه الله
﴿يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد﴾
قوله تعالى: "يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله" أي المحتاجون إليه في بقائكم وكل أحوالكم. الزمخشري: فإن قلت لم عرف الفقراء؟ قلت: قصد بذلك أن يريهم أنهم لشدة افتقارهم إليه هم جنس الفقراء، وإن كانت الخلائق كلهم مفتقرين إليه من الناس وغيرهم لأن الفقر مما يتبع الضعف، وكلما كان الفقير أضعف كان أفقر كلهم وقد شهد الله سبحانه على الإنسان بالضعف في قوله: "وخلق الإنسان ضعيفا" [النساء: ٢٨]، وقال: "الله الذي خلقكم من ضعف" [الروم: ٥٤] ولو نكر لكان المعنى: أنتم بعض الفقراء. فإن قلت: قد قوبل "الفقراء" بـ "الغني" فما فائدة "الحميد"؟ قلت: لما أثبت فقرهم إليه وغناه عنهم، وليس كل غني نافعا بغناه إلا إذا كان الغني جوادا منعما، وإذا جاد وأنعم حمده المنعَم عليهم واستحق عليهم الحمد... ذكر "الحميد" ليدل به على أنه الغني النافع بغناه خلقه، الجواد المنعم عليهم، المستحق بإنعامه عليهم أن يحمدوه". وتخفيف الهمزة الثانية أجود الوجوه عند الخليل، ويجوز تخفيف الأولى وحدها وتخفيفهما وتحقيقهما جميعا. "والله هو الغني الحميد" تكون "هو" زائدة، فيكون لها موضع من الإعراب، وتكون مبتدأة فيكون موضعها رفعا.
﴿إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد، وما ذلك على الله بعزيز﴾