يقول تعالى، معاتبا للإنسان المقصر في حقه، المتجرىء على معاصيه :" يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم " أتهاونا منك في حقوقه ؟ أم احتقارا منك لعذابه ؟ أم عدم إيمان منك بجزائه ؟ أليس هو " الذي خلقك فسواك " في أحسن تقويم ؟ " فعدلك " وركبك تركيبا قويما معتدلا، في أحسن الأشكال، وأجمل الهيئات. فهل يليق بك أن تكفر نعمة المنعم، أو تجحد إحسان المحسن ؟ إن هذا إلا من جهلك وظلمك، وعنادك وغشمك، فاحمد الله إذ لم يجعل صورتك صورة كلب أو حمار أو نحوهما من الحيوانات. ولهذا قال تعالى :" في أي صورة ما شاء ركبك ". وقوله :
" كلا بل تكذبون بالدين "، أي : مع هذا الوعظ والتذكير، لا تزالوا مستمرين على التكذيب بالجزاء. وأنتم لا بد أن تحاسبوا على ما عملتم، وقد أقام الله عليكم ملائكة كراما يكتبون أقوالكم وأفعالكم ويعلمونها، فدخل في هذا أفعال القلوب، وأفعال الجوارح، فاللائق بكم، أن تكرموهم وتجلوهم. " إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم يصلونها يوم الدين وما هم عنها بغائبين وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله " المراد بالأبرار، هم القائمون بحقوق الله، وحقوق عباده، الملازمون للبر، في أعمال القلوب، وأعمال الجوارح، فهؤلاء جزاؤهم النعيم في القلب، والروح والبدن، في دار الدنيا، وفي دار البرزخ، وفي دار القرار. " وإن الفجار " الذين قصروا في حقوق الله وحقوق عباده، الذين فجرت قلوبهم ففجرت أعمالهم


الصفحة التالية
Icon