قوله تعالى: "إنه لكم عدو مبين" أخبر تعالى بأن الشيطان عدو، وخبره حق وصدق. فالواجب على العاقل أن يأخذ حذره من هذا العدو الذي قد أبان عداوته من زمن آدم، وبذل نفسه وعمره في إفساد أحوال بني آدم، وقد أمر اللّه تعالى بالحذر منه فقال جل من قائل: "ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين"، "إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون" [البقرة: ١٦٩] وقال: "الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء" [البقرة: ٢٦٨] وقال: "ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا" [النساء: ٦٠] وقال: "إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون" [المائدة: ٩١] وقال: "إنه عدو مضل مبين" [القصص: ١٥] وقال: "إن الشيطان لكم عدو فاتخذه عدوا إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير" [فاطر: ٦]. وهذا غاية في التحذير، ومثله في القرآن كثير. وقال عبدالله بن عمر: إن إبليس موثق في الأرض السفلى، فإذا تحرك فإن كل شر الأرض بين اثنين فصاعدا من تحركه. وخرج الترمذي من حديث أبي مالك الأشعري وفيه: (وآمركم أن تذكروا اللّه فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعا حتى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر اللّه) الحديث. وقال فيه: حديث حسن صحيح غريب.
الآية: ١٦٩ ﴿إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون﴾
قوله تعالى: "إنما يأمركم بالسوء والفحشاء" سمي السوء سوءا لأنه يسوء صاحبه بسوء عواقبه. وهو مصدر ساءه يسوءه سوءا ومساءة إذا أحزنه. وسؤته فسيء إذا أحزنته فحزن، قال اللّه تعالى: "سيئت وجوه الذين كفروا" [الملك: ٢٧]. وقال الشاعر:
إن يك هذا الدهر قد ساءني فطالما قد سرني الدهر
الأمر عندي فيهما واحد لذاك شكر ولذاك صبر
والفحشاء أصله قبح المنظر، كما قال: وجيد كجيد الريم ليس بفاحش


الصفحة التالية
Icon