وقد اختلف الناس في تأويل قوله تعالى:" إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ " فقيل: المراد بها أن الله تعالى أحل له أن يتزوج كل امرأة يؤتيها مهرها، قاله ابن زيد والضحاك. فعلى هذا تكون الآية مبيحة جميع النساء حاشا ذوات المحارم. وقيل: المراد "أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ"، أي الكائنات عندك، لأنهن قد اخترنك على الدنيا والآخرة، قال الجمهور من العلماء. وهو الظاهر، لأن قوله: " آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ " ماض، ولا يكون الفعل الماضي بمعنى الاستقبال إلا بشروط. ومجيء الأمرُ على هذا التأويل ضيقاًَ على النبي (. ويؤيد هذا التأويل ما قاله ابن عباس: كان رسول الله ( يتزوج في أي الناس شاء، وكان يشق ذلك على نسائه، فلما نزلت. هذه الآية وحرم عليه بها النساء إلا من سمى، سر نساؤه بذلك.
قلت: والقول الأول أصح لما ذكرناه ويدل أيضاً على صحته ما خرجه الترمذي عن عطاء قال ؛ قالت عائشة رضي الله عنها: ما مات رسول الله ( حتى أحل الله تعالى له النساء. قال: هذا حديث حسن صحيح.
قوله تعالى: " وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ " أحل الله تعالى السراري لنبيه ( ولأمته مطلقا، وأحل الأزواج لنبيه ( مطلقا، وأحله للخلق بعدد. " مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ " أي رده عليك من الكفار. والغنيمة قد تسمى فيئا، أي مما أفاء الله عليك من النساء بالمأخوذ على وجه القهر والغلبة.
قوله تعالى: " وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ " أي أحللنا لك ذلك زائدا من الأزواج اللاتي أتيت أجورهن وما ملكت يمينك، على قول الجمهور، لأنه لو أراد أحللنا لك كل امرأة تزوجت وأتيت أجرها، لما قال بعد ذلك: " وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ " لأن ذلك داخل فيما تقدم.
قلت: وهذا لا يلزم، وإنما خص هؤلاء بالذكر تشريفا، كما قال تعالى: (فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) (الرحمن : ٦٨ ) والله أعلم.