قرأ جمهور الناس " إِن وَهَبَتْ " بكسر الألف، وهذا يقتضي استئناف الأمر، أي إن وقع فهو حلال له. وقد روي عن ابن عباس ومجاهد أنهما قالا: لم يكن عند النبي ( امرأة موهوبة، وقد دللنا على خلافه. وروى الأئمة من طريق سهل وغيره في الصحاح: أن امرأة قالت لرسول الله ( : جئت أهب لك نفسي، فسكت( حتى قام رجل فقال: زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة. فلو كانت هذه الهبة غير جائزة لما سكت رسول الله ( لأنه لا يقر على الباطل إذا سمعه، أنه يحتمل أن يكون سكوته منتظرا بيانا، فنزلت الآية. بالتحليل والتخيير، فاختار تركها وزوجها من غيره. ويحتمل أن يكون سكت ناظرا في ذلك حتى قام الرجل لها طالبا. وقرأ الحسن البصري وأبى بن كعب والشعبي "أن" يفتح الألف. وقرأ الأعمش "وامرأة مؤمنة وهبت". قال النحاس: وكسر "إن" أجمع للمعاني، لأنه قيل إنهن نساء. وإذا فتح كان المعنى. على واحدة بعينها، لأن الفتح على البدل من امرأة، أو بمعنى لأن.
قوله تعالى: " مُّؤْمِنَةً " يدل على أن الكافرة لا تحل له. قال إمام الحرمين: وقد اختلف في تحريم الحرة الكافرة عليه. قال ابن العربي: والصحيح عندي تحريمها عليه. وبهذا يتميز علينا، فإنه ما كان من جانب الفضائل والكرامة فحظه فيه أكثر، وما كان جانب النقائص فجانبه عنها أطهر؛ فجوز لنا نكاح الحرائر الكتابيات، وقصر هو ( لجلالته على المؤمنات. وبهذا كان لا يحل له من لم تهاجر لنقصان فضل الهجرة فأحرى ألا تحل له الكافرة الكتابية لنقصان الكفر.
و " إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا " دليل على أن النكاح عقد معاوضة على صفات مخصوصة، قد تقدمت في "النساء" وغيرها. وقال الزجاج: معنى " إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ " حلت. وقرأ الحسن: "إن وهبت" بفتح الهمزة. و"أن" في موضع نصب. قال الزجاج: أي لأن. وقال غيره: "إن وهبت" بدل اشتمال من "امرأة".