ولكن لدينا معيار مهم للغاية يمكن من خلاله الحكم في هذه المسألة وهي المعيار المقاصدي والمصلحي، ومن المقاصد الشرعية حفظ الدين والنفس والمجتمع من غزو الأجنبي، ولهذا شرع الجهاد وجعله عينيا، بل نص الفقهاء على ضرورة الجهاد بأي وسيلة متاحة ولو بالحجارة، وفي سبيل حفظ الدين والنفس الكلي (المجتمع) أمر الشرع ببذل النفس، والعمليات الاستشهادية لا تخرج عن هذا الإطار، كما أنها دفع أشد الضررين بأدناهما وهذا مما يتفق عليه العقلاء بله العلماء.
كما أن هناك مسألة أخرى وهي ضعف جانب المسلمين عدة وعتادا مما اضطرهم لمثل هذه العمليات، فلو قلنا بحرمتها لكان معنى هذا القضاء على أخر وسيلة مؤثرة في الغازي، ويكفي أثر هذه العمليات باديا على الأعداء لكي يحكم بجوازها.
أما تشبيهها بالانتحار ففيه بعد لأنّ الانتحار لا يفعله إلا شخص غضبان على ربه غير راض بقضاء الله وقدره، أما هذا فطال لرضوان الله تائقة نفسه للجنة، حسن النية في ربه، بل هو ملبي لنداء الجهاد في سبيله، فأين هذا من ذاك.
هذا وقد نص الفقهاء على جواز مهاجمة العدو مع غلبة الظن باستشهاده، إلا أن بعضهم اشترط تأثيره في العدو، ولم يشترطه آخرون منهم القرطبي حيث قال: "و الصحيح عندي جواز الاقتحام على العساكر لمن لا طاقة له بهم، لأنّ فيه أربعة وجوه : الأول: طلب الشهادة، الثاني: وجود النكاية الثالث : تجرئة المسلمين عليهم، الرابع : ضعف نفوسهم ليروا أنّ هذا صنع واحد فما ظنك بالجمع"٤٠٥.
اجتناب الكبائر
(إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيماً﴿٣١﴾(
هذه الآية أصل في العدالة والفسق عند أهل العلم، فمن اجتنب الكبائر فهو عدل ومن ارتكبها فهو فاسق.
وقسم الله سبحانه المنهيات على كبائر وغيرها، وبظاهر التقسيم على كبائر وصغائر قال الجمهور٤٠٦.


الصفحة التالية
Icon