هذه الوسائل الثلاث السابقة مرتبة ترتيباً تصاعدياً فالذي"يدل عليه نص الآية أنه تعالى ابتدأ بالوعظ، ثم ترقى منه إلى الهجران في المضاجع، ثم ترقى منه إلى الضرب، وذلك تنبيه يجري مجرى التصريح في أنه مهما حصل الغرض بالطريق الأخص وجب الاكتفاء به، ولم يجز الإقدام على الطريق الأشق"(٤٥١)
لكن قال الشوكاني:"وظاهر النظم القرآني أنه يجوز للزوج أن يفعل جميع هذه الأمور عند مخافة النشوز"(٤٥٢).
ويبدو أن الشوكاني فهم هذا من حرف العطف(و) الذي يدل على مطلق الجمع كما هو مذهب جماهير النحاة، ولا يدل على الترتيب كما ذهب إليه قلة من النحاة(٤٥٣) وعزي إلى الشافعي، والذي يظهر-والله أعلم- أن ترتيب هذه الوسائل يلاحظ من قوتها بحيث ترى الثانية أوى من الأولى، والثالثة أقوى من الثانية وحرف العطف(و) هنا لا يضاد هذا كما أنه لا يؤيد ما قاله الشوكاني.
الفرع الثالث: التأديب والبغي:-
مما يعنينا هنا سؤال مهم وهو: أن وسائل التأديب هذه هل تتنافى مع البغي؟
والجواب عليه: أن الإسلام جاء ليصلح المجتمع برمته ويصلح نواته وجعل لذلك سبلاً وطرقاً عدة إذ إنه يريد الصلاح للإسرة والمجتمع.
وكان من تلك الوسائل الضرب ومعلوم أن الضرب عقاب تعزيري ولا يكون العقاب إلا على خطأ، وهذا بخلاف البغي، الذي يعني مجاوزة الحد فبين العقاب ومجاوزة الحد بون شاسع.
لقد شرع العقاب لكي يستقيم حال المعاقب، ويقر بخطئه، ويتركه فهو إذن في صالح المعاقب.
ونهى الله عن البغي، الذي هو محض ظلم على الآخر دون موجب.
ومن هنا يتبين أن الضرب يجب ألا يجاوز حدوده التعزيريه المنصوص عليها، وبينها العلماء ذلك أن الغرض الأول والأخير هو الإصلاح لا مجرد العقاب، ولهذا لا بد أن يغلب على الزوج أن الضرب سيؤدي إلى نتيجة مرضية أما إذا غلب على ظنه العكس فلا يجوز له ذلك حينئذٍ.
الفرع الرابع: شبهة وردها:-


الصفحة التالية
Icon