: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا﴾ [الرعد: ٢٣] فَكَذَلِكَ مَعْنَى الْمَعْطُوفِ بِأَوْ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المائدة: ٣٣] الْآيَةُ، إِنَّمَا هُوَ التَّعْقِيبُ. فَتَأْوِيلُهُ: إِنَّ الَّذِي يُحَارِبُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيَسْعَى فِي الْأَرْضِ فَسَادًا، لَنْ يَخْلُوَ مِنْ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْجَزَاءَ بِإِحْدَى هَذِهِ الْخِلَالِ الْأَرْبَعِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ، لَا أَنُّ الْإِمَامَ مُحَكَّمٌ فِيهِ، وَمُخَيَّرٌ فِي أَمْرِهِ كَائِنَةً مَا كَانَتْ حَالَتُهُ، عَظُمَتْ جَرِيرَتُهُ أَوْ خَفَّتْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ لِلْإِمَامِ قَتْلُ مَنْ شَهَرَ السِّلَاحَ مُخِيفًا السَّبِيلَ وَصَلْبُهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ مَالًا وَلَا قَتَلَ أَحَدًا، وَكَانَ لَهُ نَفْي مَنْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ وَأَخَافَ السَّبِيلَ. وَذَلِكَ قَوْلٌ إِنْ قَالَهُ قَائِلٌ خِلَافُ مَا صَحَّتْ بِهِ الْآثَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: " لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: رَجُلٌ قَتَلَ رَجُلًا فَقُتِلَ، أَوْ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانٍ فَرُجِمَ، أَوِ ارْتَدَّ عَنْ دِينِهِ " وَخِلَافُ قَوْلِهِ: «الْقَطْعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» وَغَيْرُ الْمَعْرُوفِ مِنْ أَحْكَامِهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ الَّتِي ذَكَرْتَ كَانَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَيْرِ الْمُحَارِبِ، وَلِلْمُحَارِبِ حُكْمٌ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْفَرِدٌ بِهِ؟ قِيلَ لَهُ: فَمَا الْحُكْمُ الَّذِي انْفَرَدَ بِهِ الْمُحَارِبُ فِي سُنَنِهِ، فَإِنِ ادَّعَى عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُكْمًا خِلَافَ الَّذِي ذَكَرْنَا، أَكْذَبَهُ جَمِيعُ أَهْلِ الْعِلْمِ، لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ بِنَقْلِ وَاحِدٍ وَلَا جَمَاعَةٍ، وَإِنْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ هُوَ مَا فِي ظَاهِرِ الْكِتَابِ. قِيلَ لَهُ: فَإِنَّ أَحْسَنَ حَالَاتِكَ أَنْ يُسَلَّمَ لَكَ أَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ قَدْ يَحْتَمِلُ مَا قُلْتَ، وَمَا قَالَهُ مَنْ خَالَفَكَ فَمَا بُرْهَانُكَ عَلَى أَنَّ تَأْوِيلَكَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ مِنْ تَأْوِيلِهِ.