ويقول الشوكاني أيضا منكرا لإمكانية الربط بين الآيات والسور والتماس الوحدة الموضوعية للقرآن " وأنت تعلم أنه لو تصدى رجل من أهل العلم للمناسبة بين ما قاله رجل من البلغاء من خطبه ورسائله وإنشاءاته أو إلى ما قاله شاعر من الشعراء من القصائد التي تكون تارة مدحا وأخرى هجاء وحينا نسيبا وحينا رثاء وغير ذلك من الأنواع المتخالفة فعمد هذا المتصدي إلى ذلك المجموع فناسب بين فقره ومقاطعه ثم تكلف تكلفا آخر فناسب بين الخطبة التي خطبها في الجهاد والخطبة التي خطبها في الحج والخطبة التي خطبها في النكاح ونحو ذلك وناسب بين الإنشاء الكائن في العزاء والإنشاء الكائن في الهناء وما يشابه ذلك لعد هذا المتصدي لمثل هذا مصابا في عقله متلاعبا بأوقاته عابثا بعمره الذي هو رأس ماله وإذا كان مثل هذا بهذه المنزلة وهو ركوب الأحموقة في كلام البشر فكيف تراه يكون في كلام الله سبحانه الذي أعجزت بلاغته بلغاء العرب وأبكمت فصاحته فصحاء عدنان وقد علم كل مقصر وكامل أن الله سبحانه وصف هذا القرآن بأنه عربي وأنزله بلغة العرب وسلك فيه مسالكهم في الكلام وجرى به في الخطاب وقد علمنا أن خطيبهم كان يقوم المقام الواحد فيأتي بفنون متخالفة وطرائق متباينة فضلا عن المقامين فضلا عن المقامات فضلا عن جميع ما قاله ما دام حيا وكذلك شاعرهم ولنكتف بهذا التنبيه على هذه المفسدة التي تعثر في ساحاتها كثير من المحققين وإنما ذكرنا هذا البحث في هذا الموطن لأن الكلام هنا قد انتقل مع بني إسرائيل بعد أن كان قبله مع أبي البشر آدم عليه السلام فإذا قال متكلف كيف ناسب هذا ما قبله قلنا لا كيف
فدع عنك نهبا صيح في حجراته وهات حديثا ما حديث الرواحل ". (١)
أقول: وهل من المعقول أن يقاس كلام البشر على كلام خالق البشر؟ هل هذا الأمر مقبول؟ وهل يستوي وحي من الله منزل وقافية في العالمين شرود

(١) - نفس المرجع


الصفحة التالية
Icon