نزل القرآن الكريم مفرقا حسب الحوادث والنوازل ومراعاة للتدرج في التشريع، ومواكبة للمراحل التي مرت بها الدعوة الإسلامية في عهدها المكي والمدني، وما تتطلبه كل مرحلة، وجمع في الصدور والسطور وفقا لما هو عليه في اللوح المحفوظ حيث كان جبريل - عليه السلام -يعلم رسول الله - ﷺ - بموضع كل آية في سورتها، إضافة إلى ترتيب السور كما سيأتي بيانه، وحفظه الصحابة رضي الله عنهم وفق هذا الترتيب، وروعي ذلك في المصاحف العثمانية، فإذا كان في نزوله منجما حكم وفوائد لا تخفى فإن في جمعه على هذا الترتيب التوقيفي حكم وفوائد، وإذا كان في نزوله منجما سمة من سماته التي تفرد بها عن الكتب السابقة فإن هذا الترتيب سمة من سماته، وإن كان في نزوله منجما معجزات ومعجزات فإن في جمعه بهذه الروعة والجمال معجزة المعجزات، وهل يعقل أن يكون ترتيبه في المصحف على غير ترتيب نزوله ثم لا يكون لذلك حكمة؟ ولماذا نجتهد في التماس حكم ومقاصد التشريعات الإلهية ثم نطالب بتجاهل الحكم من الترتيب الإلهي لكتابه العزيز! ٠
والعجب كل العجب كيف انتقد الشوكاني على البقاعي اهتمامه بهذا العلم في تفسيره نظم الدرر ثم نراه يثني على هذا التفسير وعلى مسلك صاحبه فيه كما ورد في كتابه البدر الطالع خلال ترجمته له: " ومن أمعن النظر في كتابه المترجم له في التفسير الذي جعله في المناسبات بين الآي والسور علم أنه من أوعية العلم المفرطين في الذكاء الجامعين بين علم المعقول والمنقول، وكثير ما يشكل على شيء في الكتاب فأرجع إلى مطولات التفسير ومختصراتها فلا أجد ما يشفي وأرجع إلى هذا الكتاب - نظم الدرر - فأجد فيه ما يفيد في الغالب "
فالعجب كيف ينعى عليه عنايته بهذا العلم الشريف؟ ثم تراه يثني عليه وعلى مسلكه في تفسيره الذي جمع بين المأثور والرأي! ألا يذكرنا هذا بقول البحتري..