المسألة التاسعة:
اعلم! ان أعلى مراتب البلاغة الذي يُعجِز الارادةَ الجزئية والفكر الشخصيّ والتصور البسيط: هو ان يحافظ ويراعي وينظر المتكلم دفعةً نسب قيود الكلام وروابط الكلمات وموازنة الجمل التي يُظهِر كلٌ مع الآخر نقشاً متسلسلاً الى النقش الأعظم. حتى كأن المتكلم استخدم عقولا الى عقله كالباني لقصر يضع الأحجار المتلونة بوضعية تحصل بها نقوشٌ غريبة من مناظرة وموازاة الكل مع الكل كـ"العين" (١) في الخط المشترك بين "الخلفاء الراشدين". ومن اظهر مسائل هذه المسألة قوله تعالى: (الم _ ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين) على ما سمعت سابقا..
وأيضاً من أسباب علوّ الكلام أن يكون كشجرة النسب يتسلسل متناسلا الى المقاصد التي تتدلى على المقام والغرض.. وأيضاً من أسباب رفعة طبقة الكلام أن يكون مستعداً لاستنباط كثير من الفروع والوجوه كقصة موسى على نبينا وعليه السلام.
المسألة العاشرة:
اعلم! ان سلاسة الكلام المنتجة للطافته وحُلْوه هو ان تكون المعاني والحسيات المندمجة فيه ممتزجة تتحد أو مختلفة تنتظم؛ لئلا تتشرب الجوانب قوّة الافادة والغرض، بل يجذب المركزُ القوّةَ من الأطراف.. وأيضاً من السلاسة ان يتعين المقصد.. وأيضاً منه ان يتظاهر ملتقى الأغراض.
المسألة الحادية عشرة:
اعلم! ان سلامة الكلام التي هي سبب صحته وقوّته هي: ان يكون الكلام بحيث يشير الى المبادئ والدلائل، ويرمز الى اللوازم والتوابع، وبقيود الموضوع والمحمول وكيفياتهما يومئ الى رد الاوهام ودفع الشبهات؛ كأن كل قيد جواب لسؤال مقدّر. وان شئت مثالا فعليك بفاتحة الكتاب.
(١) من المعلوم ان اسماء الخلفاء الراشدين الاربعة تبدأ بحرف "العين" وقد استلهم بعض الخطاطين نقشاً بديعاً استعمل فيه حرف "العين" مشتركاً بين اسمائهم.