والجمال؛ اذ الاحسان فرعٌ لثروة المحسِن ودليل عليها، والايجاد لوجود الموجِد، والايجاب لوجوب الموجب، والتحسين لحسن المحسّن المناسب له..
وكذلك ان الصانع منزَّه عن جميع النقائص، لأن النواقص انما تنشأ عن عدم استعداد ماهيات الماديات وهو تعالى مجرد عن الماديات..
وكذلك انه تعالى مقدس عن لوازم وأوصافٍ نشأت من إمكان ماهيات الكائنات وهو سبحانه واجب الوجود ليس كمثله شئ جل جلاله. ولقد أشار الى هاتين الحقيقتين بقوله: (فلا تجعلوا لله أنداداً).
أما الدليل الامكانيّ المشار اليه بقوله تعالى: (وَالله الْغَنِيُّ وَاَنْتُمُ الفُقَرَاءُ) ١ فاعلم! ان كل واحدة من ذَرات الكائنات باعتبار ذاتها، وباعتبار فردٍ فردٍ من صفاتها، وباعتبار واحدٍ واحدٍ من أحوالها، وباعتبار جهةٍ جهةٍ من وجوهها؛ بينما تراها تتردد بين الامكانات الغير المتناهية في الذات والصفات والأحوال والوجود، اذاً انتعشت وقامت وسلكت طريقاً معيناً منها ولبست صفة مخصوصة، وتكيفت بحالة منتظمة، وركبت على قانون مسدَّد، وتوجهت الى مقصد معيّن، فأنتجت حكمةً ومصلحةً لا تحصلان الاّ بذلك الطرز المعين.. أفلا تنادي بلسانها المخصوص، وتصرّح بقصد صانعها وحكمته؟ فكما ان كل ذرة بنفسها دليل على الانفراد؛ كذلك تتزايد دلالتها باعتبار كونها جزءاً من مركبات متداخلة متصاعدة؛ اذ لها في كل مركب مقام.. وفي كل مقام لها نسبة.. وفي كل نسبة لها وظيفة.. وفي كل وظيفة تثمر مصالح.. وفي كل مرتبة تتلو بلسانها دلائل وجوب وجود صانعها.. مثلها كمثل جنديّ في "طاقمه وطابوره وفرقته الخ".
***
ولنشرع في نظم هذه الآية باعتبار نظم مجموعها بما قبلها، ثم نظم جملها بعض مع بعض، ثم نظم هيئات كل جملة جملة.
أما نظم المجموع بما قبله: