فيا هذا! من لم يُدخل في عقله هذه النقطة نُدْخِل جزيرةَ العرب في عينه. فهذه جزيرة بعد ثلاثة عشر عصراً وبعد ترقي البشر في مدارج التمدن!.. فانتخِب ايها المعاند من أكمل الفلاسفة مائة، فليسعوا مائة سنة فان فعلوا جزءاً من مائة جزء مما فعله محمّد العربي عليه الصلاة والسلام بالنسبة الى زمانه ١... فان لم تفعل - ولن تفعل - فاتّق عاقبة العناد! نعم، هذه الحالة خارقة للعادة وان هي الاّ معجزة من معجزاته عليه الصلاة والسلام.
واعلم أيضاً: ان من اراد التوفيق يلزم عليه ان يكون له مصافاة مع عادات الله، ومعارَفَة مع قوانين الفطرة، ومناسبة مع روابط الهيئة الاجتماعية. والاّ، أجابته الفطرة بعدم الموفَّقية جوابَ إسكات..
وأيضاً مَن تحرك بمسلك في الهيئة الاجتماعية يلزمه ان لا يخالف حركة الجريان العموميّ. والاّ، طيّره ذلك الدولاب عن ظهره فيسقط في يده. فاذاً من ساعده التوفيق في ذلك الجريان كمحمّد عليه السلام يثبت انه متمسك بالحق.
فاذا تفهمت هذا، تأمل في حقائق الشريعة مع تلك المصادمات العظيمة والانقلابات العجيبة، وفي هذه الأعصار المديدة تَرَها قد حافظت على موازنة قوانين الفطرة وروابط الاجتماعيات اللاتي بدقتها لا تتراءى للعقول مع كمال المناسبة والمصافاة معها. فكلما امتد الزمان تظاهر الاتصال بينها. ويتظاهر من هذه الحالة؛ ان الاسلامية هي الدين الفطريّ لنوع البشر وانها حق، لهذا لاينقطع ان رقّ. ألا ترى ان الترياق الشافي للسموم القاتلة في الهيئة الاجتماعية انما هو أمثال "حرمة الربا ووجوب الزكاة" اللتين هما مسألتان في ألوف مسائل تلك الشريعة.
فاذا عرفت هذه النكت الأربع مع هذه النقط الثلاث، اعلم! ان محمداً الهاشميّ عليه الصلاة والسلام مع انه امّيّ لم يقرأ ولم يكتب، ومع عدم قوته الظاهرية وعدم حاكميته له أو لسلفه، وعدم ميل تحكم وسلطنة، قد تشبث بقلبه بوثوق واطمئنان في موقع في غاية الخطر وفي مقام مهم، بأمر عظيم فغلب على الأفكار، وتحبب الى الأرواح، وتسلط على الطبائع، وقلع من أعماق قلوبهم العادات والأخلاق الوحشية المألوفة الراسخة المستمرة الكثيرة. ثم غرس في موضعها في غاية الإِحكام والقوة -

١ وجواب إن محذوف، اى فاطلب ماتشاء (ش)


الصفحة التالية
Icon