الكريم تلك الحقائق بمتشابهات وتشبيهات واستعارات وحفظ الجمهور الذين لم يتكملوا عن الوقوع في ورطة المغلطة. فأبْهَمَ وأهمَلَ في المسائل التي يعتقد الجمهورُ - بالحس الظاهريّ - خلاف الواقع ضروريا، لكن مع ذلك أومأ الى الحقيقة بنصب امارات.
فاذا تفطنت لهذه النكت، اعلم! ان الديانة والشريعة الاسلامية المؤسسة على البرهان العقليّ ملخصة من علوم وفنون تضمنت العقد الحياتية في جميع العلوم الأساسية: من فن تهذيب الروح، وعلم رياضة القلب، وعلم تربية الوجدان، وفنّ تدبير الجسد، وعلم تدوير المنزل، وفن سياسة المدنية، وعلم نظامات العالم، وفن الحقوق، وعلم المعاملات، وفن الآداب الاجتماعية، وكذا وكذا وكذا... الخ. مع ان الشريعة فسّرت وأوضحت في مواقع اللزوم ومظان الاحتياج، وفيما لم يلزم او لم يستعد له الاذهانُ او لم يساعد له الزمانُ اجملتْ بفذلكة ووضعت أساسا احالت الاستنباط منه وتفريعه ونشو نمائه على مشورة العقول. والحال ان كل هذه الفنون بل ثلثها بعد ثلاثة عشر عصرا - مع انبساط تلاحق الأفكار وتوسع نتائجها، وكذا في المواقع المتمدنة، وكذا في الأذكياء - لايوجد في شخص. فمن زيّن وجدانه بالانصاف يصدق بان حقيقة هذه الشريعة خارجة عن طاقة البشر دائما لاسيما في ذلك الزمان، ويصدّق بمآل (لم تفعلوا ولن تفعلوا).
"والفضل ما شهدت به الاعداء": فهذا "قارلائيل" ١ فيلسوف امريكا نقل عن الأديب الشهير الالماني وهو "كوته" ٢ اذ قال بعد ما أمعن النظر في حقائق القرآن الكريم عجبا أيمكن تكمّل العالم المدني في دائرة الاسلامية؟ فأجاب بنفسه: نعم! بل

١ توماس كارلايل (١٧٩٥ - ١٨٨١) كاتب ومؤرخ وفيلسوف انكليزي، اراد والده البنّاء ان يكون إبنه قسيساً إلاّ ان كثرة شكوكه حول الدين حالت دون ذلك، مرّ بمعاناة نفسية دامت زهاء سبع سنوات، انتهى به المطاف بالاستقرار على مسائل الايمان. ألقى سلسلة من المحاضرات، تناول في احداها عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأثنى عليه وبيّن انه النبي الحق ودحض افتراءات كثيرة. جمع تلك المحاضرات في كتابه المشهور «الابطال». اوصى بتوزيع ثرواته الى الطلاب الفقراء، وايداع مكتبته في جامعة هارفرد الامريكية. ترك آثاراً عميقة في ثقافة الانكليز ونظرتهم الى العالم (باختصارمن :ENI LUGAT عن دائرة المعارف التركية).
٢ جوهان فولف جانج فون (١٧٤٩ - ١٨٣٢) كاتب وشاعر وروائى وناقد ألماني. ولد في اسرة ثرية وتعلم اللاتينية واليونانية والايطالية والانكليزية والعبرية وحصل الفرنسية عام ١، ثم انتقل الى مدينة ليبزنج لتعلم الحقوق ثم انصرف الى التأليف ثم تولى مناصب قضائية وادارية ووضع خلال ذلك مسرحيات وكتباً تناول فيها تأملاته في الحياة.


الصفحة التالية
Icon