فإن قلت: مثل انشقاق القمر لابد أن يشتهر في العالم ويتعارف.
قيل لك: فلإختلاف المطالع، ووجود السحاب، وعدم الترصد للسماء كما في هذا الزمان، ولكونه في وقت الغفلة، ولوجوده في الليل، ولكون الانشقاق آنياً.. لايلزم ان يراه كل الناس أو أكثرهم. على انه قد ثبت في الروايات انه قد رآه كثير من القوافل الذين كان مطلعهم ذلك المطلع.
ثم أن رئيس هذه المعجزات هو القرآن المبين المبرهن اعجازه بجهات سبع أُشير اليها في هذه الآية.
واذ تفهمت هذه المسائل فاستمع لما يتلى عليك من نظم الآىة بوجوهها الثلاثة؛ من نظم المجموع بما قبله، ونظم الجمل بعضها مع بعض، ونظم هيئات وقيود جملة جملة.
أما النظم الأول فمن وجهين:
| الأول: انه لما قال (يا ايها الناس) لإثبات التوحيد - على تفسير ابن عباس - اثبت بهذه نبّوة محمد عليه الصلاة والسلام الذي هو من اظهر دلائل التوحيد. ثم ان اثبات النبوّة بالمعجزات. وأعظم المعجزات هو القرآن. وادقّ وجوه اعجاز القرآن ما في بلاغة نظمه. ثم انه اتفق الاسلام على ان القرآن معجِز.. الاّ ان المحققين اختلفوا في طرق الاعجاز، لكن لاتزاحم بين تلك الطرق، بل كلٌ اختار جهةً من جهاته. فعند بعض اعجازه: اخباره بالغيوب.. وعند بعض: جمعه للحقائق والعلوم.. وعند بعض: سلامته من التخالف والتناقض.. وعند بعض: غرابة اسلوبه وبديعيته في مقاطع ومبادئ الآيات والسور.. وعند بعض: ظهوره من امّي لم يقرأ ولم يكتب.. وعند بعض: بلوغ بلاغة نظمه الى درجة خارجة عن طوق البشر. وكذا وكذا.. الخ.
ثم اعلم! ان معرفة هذا النوع من الاعجاز تفصيلا انما تحصل بمطالعة أمثال هذا التفسير، واجمالاً يُعْرف بثلاث طرق. (كما حققها عبد القاهر الجرجاني شيخ البلاغة والزمخشري والسكاكي والجاحظ ١.)