السياسي، لا يمكن ان يخفى عليهم التفاوت بين هذين الطريقين. فمن ترك الطريق الأول لو امكن - مع انه أشد إبطالا لدعواه - واختار طريقاً أوقع مالَه وروحَه في المهالك فهو إما سفيه، وهو بعيد ممن ساسوا العالم بعد ان اهتدوا.. وإما انه أحس من نفسه العجز عن السلوك في الطريق الأول فاضطر للطريق الثاني.
فان قلت: يمكن ان تكون المعارضة ممكنة؟
قيل لك: لو امكنتْ لطمع فيها ناسٌ لتحريك أعصابهم لها. ولو طمعوا لفعلوا لشدة احتياجهم. ولو عارضوا لتظاهرت للرغبة وكثرة الأسباب للظهور. ولو تظاهرت لوجد من يلتزمها ويدافع عنها ويقول: انه قد عورض لا سيما في ذلك الزمان. ولو كان لها ملتزمون ومدافعون ولو بالتعصب لاشتهرت لانها مسألة مهمة. ولو اشتهرت لنقلتها التواريخ كما نقلت هذيانات مسيلمة بقوله: (الفيل ما الفيل وماادراك ما الفيل صاحب ذَنَب قصير وخُرْطوم طويل).
فان قلت: مسيلمة كان من الفصحاء فكيف صار كلامه مَسْخرة وأضحوكة بين الناس؟
قيل لك: لأنه قوبل بما فاقه بدرجات كثيرة. ألا ترى ان شخصا ولو كان حسناً اذا قوبل بيوسف عليه السلام لصار قبيحاً ولو كان مليحا. فثبت ان المعارضة لايمكن؛ فالقرآن معجز.
فان قلت: للمرتابين كثير من الاعتراضات والشكوك على تراكيب القرآن وكلماته مثل (إن هذان) ١ و (الصابئون) ٢ و (الذي استوقد ناراً) وامثالها من الاعتراضات النحوية؟
قيل لك: عليك بخاتمة مفتاح السكاكي فانه ألقمهم الحجر بـ"أفلا يتفطنون ان من كرر كلامه في زمان مديد مع انه فصيح بالاتفاق كيف لايحس بالغلطات التي تظهر لنظر هؤلاء الحمقاء"؟.
٢ سورة المائدة: ٦٩