أما نظم جملها بعض مع بعض، فاعلم! ان السلك الذي نُظم فيه جواهر جمل هذه الآية وسلسلتها هي: ان السعادة الأبدية قسمان:
الأول اْلاَولى: رضاء الله تعالى وتلطيفه وتجلّيه وقربيته.
والثاني: السعادة الجسمانية وهي بالمسكن والمأكل والمنكح ومتممها ومكملها جميعاً هو الدوام والخلود.
ثم ان أقسام الاول مستغنية عن التفصيل أو غير قابلة. ١
وأما أقسام الثاني: فالمسكن، ألطفه ما يجري الماء بين نباتاته. ألا ترى ان ملهم الشعر ومفيض العشق في القلوب انما هو خشخشة ٢ الماء وخريره وكشكشة ٣ الانهار وصفيرها تحت القصور وبين البساتين..
والمأكل الرزق ولأنه تفكه يكون كمال لذته فيما حصل به الأُلفة والانسية، ولأنه تفكه يكون كمال لذته في التجدد من جهة؛ اذ بحكم المألوفية يُعرف درجة علوّ النعمة وتفوقها على نظيرها. وكذا من مكملات اللذة ان يُعرف انه جزاء عمله.. ومنها ان يكون منبعه ومخزنه حاضراً نصب العين لتحصل لذة الاطمئنان..
وأما المنكح، فاعلم! ان من اشدّ حاجات الانسان وجود قلب مقابلا لقلبه لمداولة المحبة ومبادلة العشق والمؤانسة والتشارك في اللذة، بل التعاون في أمثال الحيرة والتفكر. ألا ترى ان من رأى ما يتحير فيه أو يتفكر في أمر عجيب يدعو ولو ذهنا من يعينه في تحمل الحيرة. ثم انّ ألطف القلوب وأشفقها واحرّها قلب القسم الثاني. ثم ان متمم الامتزاج الروحيّ ومكمّل الاستيناس القلبيّ، ومصفى الاختلاط الصوريّ كون القسم الثاني مبرأة ومطهرة من الأخلاق السيئة والعوارض المنفرة.
فإن قلت: ان الأكل لبقاء الشخص؛ اذ به يحصل تعمير ما يتحلل، وان النكاح لبقاء النوع مع ان الأشخاص في الآخرة مؤبّدون لا يقع فيهم التحويل والانحلال وكذا لاتناسل في الآخرة؟

١ غير قابلة للتفصيل.
٢ صوت السلاح او الحلى عند اصطكاكه.
٣ صوت جلد الحية حين المرور، استعمله المؤلف لصوت مرور الماء كالحية (ش)


الصفحة التالية
Icon