أما جملة (وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات) فاعلم! انه تعالى لما كلف الناس، وأثبت النبوّة، وكلف النبيّ بالتبليغ أمره بالتبشير تأميناً لامتثال التكليف الذي فيه مشقة وترك للّذائذ الدنيوية. فكما انه مأمور بالانذار؛ كذلك مأمور بالتبشير برضاء الله تعالى وتلطيفه وقربيته وبالسعادة الأبدية.
وأما جملة (ان لهم جنات تجري) فاعلم! كما مر ان اوّل حاجات الانسان الضرورية - لأنه جسم - المكان والمسكن؛ وان أحسن المكان هو المشتمل على النباتات والأشجار، وان الطفه هو الذي يتسلل بين خضراواته الماء، وان اكمله هو الذي تجري بين أشجاره وتحت قصوره الأنهار بكثرة. فلهذا قال (تجري من تحتها الأنهار).. ثم ان اشد الحاجات كما سمعت آنفاً بعد المكان واكمل اللذائذ الجسمانية هو الاكل والشرب اللذين يشير اليهما الجنة والنهر.. ثم ان اكمل الرزق هو ان يكون مألوفاً ومأنوساً ليعرف درجة تفوقه على نظيره.. وألذّ الفاكهة ان تكون متجددة.. وان اصفى اللذة هو أن يكون المقتطَف معلوماً وقريباً.. وان ألذّها ان يعرف انها ثمرة عمله. فلهذا قال: (كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا من قبل) أي في الدنيا أو قبل هذا الآن.
وأما (وأتوا به متشابها) فاعلم! ان في الحديث: ان صورتها واحدة والطعم مختلف ١. فتشير الآية الى لذة التجدد في الفاكهة.. وان كمال اللذة ان يكون الشخص مخدوما يؤتى اليه. وأما جملة (ولهم فيها أزواج مطهرة) فاعلم! كما رأيت في السلك ان الانسان محتاج لرفيقة وقرينة يسكن اليها وينظر بعينها وتنظر بعينه ويستفيد من المحبة التي هي ألطف لمعات الرحمة. ألا ترى ان الأنسية التامة هنا بهن؟ وأما جملة (وهم فيها خالدون) فاعلم! ان الانسان اذا صادف نعمة او اصاب لذة فأول ما يتبادر لذهنه: أتدوم أم تُنَغَّص بزوال؟ فلهذا أشار الى تكميل النعمة بخلود الجنة ودوامهم وازواجهم فيها ودوام اللذائذ واستمرار الاستفادة بقوله: (وهم فيها خالدون).