الدرجة من العظمة يتردد فيها العقل فتحتاج الى التأكيد.. وأيضاً من شأن مقام السرور طرد الأوهام؛ اذ طَرَيان ادنى وهم يكسر الخيال ويطير السرور.. وكذا ايماء الى ان هذا ليس وعداً صرفا بل حقيقة من الحقائق. ولام (لهم) اشارة الى الاختصاص والتملك والاستحقاق الفضليّ لتكميل اللذة وزيادة السرور. والاّ فكثيراً ما يضيف مَلِكٌ مسكيناً.. وتقديم (لهم) اشارة الى اختصاصهم بين الناس بالجنة، اذ ملاحظة حال أهل النار سبب لظهور قيمة لذة الجنة.. وجمع (جنّات) اشارة الى تعدد الجنان وتنوع مراتبها على نسبة تنوع مراتب الأعمال.. وكذا رمز الى ان كل جزء من الجنة جنة.. وكذا ايماء الى ان ما يصيب حصة كل - لوسعته - كأنه كالجنة بتمامها لا كأنه يساق بجماعتهم الى موضع.. وتنكير (جنّات) يتلو على ذهن السامع: "فيها ما لا عين رأت، ولا اذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر" ١. وكذا يحيل على أذهان السامعين حتى يتصورها كلٌ على الطرز الذي يستحسنه.. وكذا كأن التنوين بدل (وفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الاَنْفُسُ) ٢. وأما (تجري) فاعلم! ان أحسن الرياض ما فيها ماء. ثم أحسنها ما يسيل ماؤها. ثم أحسنها ما استمر السيلان. فبلفظ (تجري) أشار الى تصوير دوام الجريان.. واما (من تحتها) فاعلم! ان أحسن الماء الجاري في الخضراوات ان ينبع صافيا من تلك الروضة، ويمر مُتَخَرْخِراً تحت قصورها، ويسيل منتشراً بين أشجارها فاشار بـ (من تحتها) الى هذه الثلاثة.. وأما (الأنهار) فاعلم! ان أحسن الماء الجاري في الجنان ان يكون كثيراً. ثم أحسنه ان تتلاحق الأمثال من جداوله. فان بتناظر الأمثال يتزايد الحسن على قيمة الأجزاء. ثم أحسنه ان يكون الماء عذباً فراتا لذيذاً كما قال (ماءٍ غَيْر آسِنٍ) ٣ فبلفظ "نهر" وجمعه وتعريفه أشار الى هذه.
أما جملة (كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل) فاعلم! ان هيئاتها تتضمن كثيرة من الجمل الضمنية. فاستينافها جواب لسؤال مقدر.
٢ سورة الزخرف: ٧١.
٣ سورة محمد: ١٥.