ان قلت: هذه الآيات مع آيات اُخر تشير الى ان هذه الدنيا العظيمة مخلوقة لأجل البشر وجعل استفادته علة غائية لها. والحال ان زحل الأكبر من الأرض ليست فائدتها بالنسبة الى البشر الاّ نوع زينة وضياء ضعيف فكيف يكون علة غائية؟
قيل لك: ان المستفيد يفنى في جهة استفادته وينحصر ذهنُه في طريقها وينسى ما عداها وينظر الى كل شئ لنفسه ويحصر العلة الغائية على ما يتعلق به. فاذاً لا مجازفة في الكلام الموجَّه الى ذلك الشخص في مقام الامتنان بأن يقال: ان زحل الذي أبدعه خالقه لألوفِ حِكَمٍ، وفي كل حكمة ألوفُ جهاتٍ، وفي كل جهة ألوفُ مستفيدٍ العلة الغائية في إبداعه جهة استفادة ذلك الشخص.
والسادسة: - وقد نبهت عليه - ان الانسان وان كان صغيراً فهو كبير، فنفعه الجزئيّ كليّ فلا عبثية.
المسألة الثانية: في (ثم) :
اعلم! ان هذه الآية تدل على أن خلق الأرض قبل السماء، وان آية (والأرضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحيهَا) ١ تدل على ان خلق السماء قبل الارض، وان آية (كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْناهُمَا) ٢ تدل على انهما خلقتا معا وانشقتا من مادة..
واعلم ثانيا: ان نقليات الشرع تدل على ان الله تعالى خلق اوّلا جوهرةً - أي مادة - ثم تجلى عليها فجعل قسما منها بخارا وقسما مائعا. ثم تكاثف المائع بتجلِّيه فأزبد. ثم خلق الأرض أوسبع كرات من الأرضين من ذلك الزبد فحصل لكل أرض منها سماء من الهواء النسيميّ. ثم بسط المادة البخارية فسوّى منها سموات زرع فيها النجوم فانعقدت السموات مشتملة على نويات النجوم. وان فرضيات الحكمة الجديدة ونظرياتها تحكم بأن المنظومة الشمسية أي مع سمائها التي تسبح فيها كانت جوهراً بسيطاً ثم انقلب إلى نوع بخار ثم تحصل من البخار مائع ناريّ ثم تصلب بالتبرد منه قسم ثم ترامى ذلك المائع الناري بالتحرك شرارات وقطعات انفصلت فتكاثفت فصارت سيّارات منها أرضنا هذه.
٢ سورة الانبياء: ٣٠.