المستنكر تجدد العصيان واستمراره. وقد علموا ذلك اما باعلامه تعالى أو بمطالعة اللوح أو بمعرفة فطرتهم من عدم تحديد القوى المودعة فيهم. فبتجاوز الشهوية يحصل الفساد وبتعدي الغضبية ينشأ السفك والظلم. و (فيها) أي مع أنها كانت مسجداً اُسس على التقوى. وان موقع "الواو" الجمع بين الرذيلتين بمناسبة انجرار الفساد الى سفك الدم. وان ايثار (يسفك) على "يقتل" لأن السفك هو القتل بظلم. ومن القتل ما هو جهاد في سبيل الله وكذا قتل الفرد لسلامة الجماعة كقتل الذئب لسلامة الغنم. واما الدماء فتأكيد لما في السفك من الدم لتشديد شناعة القتل.
وأما هيئات (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) فواو الحال اشارة الى استشعارهم الاعتراض عليهم بـ "اما يكفيكم حكمة عبادة البشر وتقديسه له تعالى؟ " (ونحن) أي معاشر الملائكة المعصومين من المعاصي.. واسمية الجملة اشارة الى ان التسبيح كالسجية لهم واللازم لفطرتهم وهم له. أما (نسبح بحمدك) فكلمة جامعة أي نعلنك في الكائنات بأنواع العبادات.. ونعتقد تنزهك عما لا يليق بجنابك بتوصيفك بأوصاف الجلال وما هو الا من نعمك المحمود عليها. ونقول "سبحان الله وبحمده". ونحمدك ونصفك بأوصاف الجلال والجمال. ونقدس لك أي نقدسك، أو نطهر أنفسنا وأفعالنا من الذنوب وقلوبنا من الالتفات الى غيرك. فالواو للجمع بين الفضيلتين أي امتثال الأوامر واجتناب النواهي، فيكون حذاء الواو الأول.
واما هيئات (قال اني اعلم ما لاتعلمون) فاستينافها اشارة الى السؤال بـ "ماذا قال الله تعالى مجيبا لاستفسارهم، وكيف بينّ السبب مزيلا لتعجبهم، وما الحكمة في ترجيح البشر عليهم؟ " فقال "قال" مشيراً إلى جواب اجمالي ثم فصل بعض التفصيل بالآية التالية. و" ان" في (اني اعلم) للتحقيق ورد التردد والشبهة وهو انما يكون في حكم نظري ليس بمسلّم مع بداهة ومسلّمية علم الله تعالى بما لا يعلم الخلق وحاشاهم عن التردد في هذا. فحينئذ يكون "ان" مناراً على سلسلة جمل لخصها القرآن الكريم وأجملها وأوجزها بطريق بيانيّ مسلوك. أي: ان في البشر مصالحَ وخيراً كثيرا تغمر في جنبها معاصيه التي هي شر قليل، فالحكمة تنافي ترك ذلك لهذا. وان في البشر لسراً اهّله للخلافة غفلت عنه الملائكة وقد علمه خالقه.. وان فيه


الصفحة التالية
Icon