وانظر الاشارة في (ذلك) المختصة بالرجوع الى الذات مع الصفات لتعلم انها كما تفيد التعظيم - لانها اما اشارة الى المشار اليه بـ "الم" او المبشّر به في التوراة والانجيل - كذلك تلوّح بدليلها؛ اذ ما أعظم ما أقسم به! وما أكمل ما بشَّر به التوراة والانجيل!.. ثم أمعن النظر في الاشارة الحسية الى الأمر المعقول لترى انها كما تفيد التعظيم والاهمية؛ كذلك تشير الى ان القرآن كالمغناطيس المنجذب اليه الأذهانُ، والمتزاحم عليه الأنظارُ المجْبِر لخيالِ كلٍ على الاشتغال به. فتظاهر بدرجة - تراه العيون من خلفها اذا راجعت الخيال - يرمز بلسان الحال الى وثوقه بصدقه وتبرّيه عن الضعف والحيلة الداعيين الى التستر.. ثم تفكّر في البُعدية المستفادة من "ذلك"؛ اذ انها كما تفيد علوّ الرتبة المفيد لكماله؛ كذلك تومئ الى دليله بأنه بعيد عن ما سلك عليه أمثاله. فإما تحت كلٍ وهو باطل بالاتفاق، فهو فوق الكل.
ثم تدبر في "ال" (الكتاب) ؛ لانها كما تفيد الحصر العرفي المفيد للكمال؛ تفتح باب الموازنة وتلمِّح بها الى ان القرآن كما جمع محاسن الكتب قد زاد عليها فهو أكملها..
ثم قف على التعبير بـ "الكتاب" كيف يلوّح بأن الكتاب لايكون من مصنوع الامّيّّ الذي ليس من أهل القراءة والكتابة.
أما (لاريب فيه) ففيه وجهان:
إرجاع الضمير إلى الحكم، أو إلى الكتاب:
فعلى الاول -كما عليه المفتاح ١ - يكون بمعنى يقيناً، وبلا شك، فيكون جهة وتحقيقا لاثبات كماله.
وعلى الثاني - كما عليه الكشاف ٢ - يكون تأكيداً لثبوت كماله.
وعلى الكل يناجي من تحت "لاريب" بـ (وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله) ويرمز الى دليله الخاص..
(الكشاف عن حقائق التنزيل) للامام العلامة ابى القاسم جارالله محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي المتوفي سنة ٥٣٨هـ.