اذ في "الذين" رمز الى ان وصف الايمان هو مناط الحكم وان الذات مع سائر الصفات تابعة له ومغمورة تحته. ١
وفي (يؤمنون) بدل "المؤمنين" الدال على الثبوت في زمان، تلويح الى تجدد الايمان بتواتر النزول وتكرر الظهور مستمرا.
وفي "ما" الابهام، إيماء الى ان الايمان مجملا قد يكفي، والى تشميل الايمان للوحي الظاهر والباطن وهو الحديث.
وفي (انُزل) باعتبار مادته اشارة الى ان الايمان بالقرآن هو الايمان بنزوله من عند الله. كما ان الايمان بالله هو الايمان بوجوده، وباليوم الآخر هو الايمان بمجيئه. وبالنظر الى صيغته الماضوية - مع انه لم يتم النزول اذ ذاك - اشارة الى تحققه المنزلة بمنزلة الواقع مع ان مضارعية "يؤمنون" تتلافى مافي ماضويته ٢. بل لاجل هذا التنزيل ترى في اساليب التنزيل كثيرا ما يبتلع الزمان الماضي المستقبل ويتزيا المضارع بزيّ الماضي، اذ فيه بلاغة لطيفة. لان من سمع الماضي فيما لم يمض بالنسبة اليه اهتز ذهنه، وتيقظ انه ليس وحده، وتذكر ان خلفه غيره من الصفوف بمسافات. حتى كأن الاعصار مدارج والاجيال صفوف قاعدون خلفها. وتنبّه ان الخطاب والنداء الموجه اليه بدرجة من الشدة والعلوّ يسمعه كل الاجيال. وهو خطبة الهية انصت لها كلُّ الصفوف في كل الاعصار. فالماضي حقيقة في الكثير - في أكثر الأزمان - ومجازٌ في القليل - في أقلها ٣ - ومراعاة الاكثر أوفى لحق البلاغة.
وفي (اليك) بدل "عليك" رمز الى ان الرسالة وظيفة كُلِّف بها النبي عليه السلام وتحمَّلها بجزئه الاختياري.. وإيماء الى علّوه بخدمة جبرائيل بالتقديم اليه؛ اذ في "على" شمّ اضطرار وعلوّ واسطة النزول.. وفي خطاب "اليك" بدل "الى نحو محمد" تلويح الى ان محمداً عليه السلام ماهو إلاّ مخاطب والكلام كلام الله.. وايضا معنى الخطاب تأكيد وتصوير لمعنى النزول الذي هو الوحي الذي هو القرآن
٢ اى ماضوية "اُنزل ". بمعنى ان الذى لم يتم نزوله، ان لم يكن داخلاً ضمن شمولية "اُنزل " فهو ضمن شمولية "يؤمنون " (ت: ٥٢)
٣ فالماضى حقيقة ثابتة لدى كثير من الناس في اغلب الازمان، بينما يكون مجازاً لدى القليلين في اقل الازمان.