واما البرهان العاشر، المشتمل على ألوف من البراهين التي تضمنها كثير من الآيات مثل (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أطْواراً) المشير الى "قياس تمثيلي". و (وَمَا رَبُّكَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبيد) المشير الى "دليل عدليّ" وغيرهما. فلقد فتح القرآن في أكثر الآيات كُوّاتٍ ١ ناظرة الى الحشر.
اما القياس التمثيلي المشار اليه بالآية الاولى:
فانظر في وجود الانسان فانه ينتقل من طور الى طور.. من النطفة الى العلقة.. ومنها الى المضغة.. ومنها الى العظم واللحم.. ومنه الى الخلق الجديد. ولكلٍّ من تلك الاطوار قوانين مخصوصة، ونظامات معيّنة، وحركات مطّردة يشفّ كلٌّ منها عن قصدٍ وارادةٍ واختيارٍ.. ثم تأمل في بقائه فإن هذا الوجود يجدد لباسه في كل سنة، ومن شأنهالتحلل والتركب. اي انقضاض الحجيرات وتعميرها ببدل ما يتحلل من المادة اللطيفة الموزعة على نسبة مناسبة الاعضاء التي يحضرها صانعُها بقانون مخصوص. ثم تأمل في أطوار تلك المادة اللطيفة الحاملة لأرزاق الاجزاء. كيف تنتشر في اقطار البدن انتشاراً تحير فيه العقول. وكيف تنقسم بقانون التقسيم المعين على مقدار حاجات الاعضاء؛ بعد ان تلخصت تلك المادة بنظام ثابت، ودستور معين، وحركة عجيبة من اربع مصفاتات، وانطبخت في اربعة مطابخ بعد اربعة انقلابات عجيبة؛ المأخوذة تلك المادة من القوت المحصل من المواليد المنتشرة في عالم العناصر بدستور منتظم؛ ونظام مخصوص، وقانون معين. وكل من القوانين والنظامات في تلك الاطوار يشف عن سائقٍ وقصدٍ وحكمةٍ. كيف لا، ولو تأملت من قافلة تلك المادة اللطيفة في ذرة مثلا، مستترة في عنصر الهواء تصير بالآخرة جزءاً من سواد عين "الحبيب"؛ لعلمت ان تلك الذرة وهي في الهواء معيّنة كأنها موظفة مأمورة بالذهاب الى مكانها الذي عيُنّ لها؛ اذ لو نظرت إليها بنظر فنيّ تيقنت ان ليست حركتها "اتفاقية عمياء" "بتصادف اعمى"، بل تلك الذرة ما دخلت في مرتبة الا تبعت نظاماتها المخصوصة، وماتدرجت الى طور الا عملت بقوانينه المعينة، وما سافرت الى طبقة الا وهي تساق بحركة عجيبة منتظمة. فتمر على تلك الاطوار حتى تصل الى موضعها. مع انها لاتنحرف قطعا مقدار ذرة عن هدف مقصدها.

١ الكوة: الخرق في الحائط. ج: كواء وكوى وكوات.


الصفحة التالية
Icon