إنما فيه ذكر سبب نزول الآية وما كانت اليهود تفعله فأخبر عن مخالفتهم في ذلك وأنه ليس علينا إخراجها من البيت وترك مجالستها وقوله اصنعوا كل شيء إلا النكاح جائز أن يكون المراد به الجماع فيما دون الفرج لأنه ضرب من النكاح والمجامعة وحديث عمر الذي ذكرناه قاض عليه متأخر عنه والدليل على ذلك أن في حديث أنس إخبارا عن حال نزول الآية وحديث عمر بعد ذلك لأنه لم يخبر عن حال نزول الآية وقد أخبر فيه أنه سأل النبي ص - عما يحل من الحائض وذلك لا محالة بعد حديث أنس من وجهين أحدهما أنه لم يسئل عما يحل منها إلا وقد تقدم تحريم إتيان الحائض والثاني أنه لو كان السؤال في حال نزول الآية عقيبها لاكتفى بما ذكره أنس عن النبي ص - أنه قال اصنعوا كل شيء إلا النكاح وفي ذلك دليل على أن سؤال عمر كان بعد ذلك ومن جهة أخرى أنه لو تعارض حديث عمر وحديث أنس لكان حديث عمر أولى بالاستعمال لما فيه من حظر الجماع فيما دون الفرج وفي ظاهر حديث أنس الإباحة والحظر والإباحة إذا اجتمعا فالحظر أولى ومن جهة أخرى وهو أن خبر عمر يعضده ظاهر القرآن وهو قوله تعالى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن وخبر أنس يوجب تخصيصه وما يوافق القرآن من الأخبار فهو أولى مما يخصه ومن جهة أخرى وهو أن خبر أنس مجمل عام ليس فيه بيان إباحة موضع بعينه وخبر عمر مفسر فيه بيان الحكم في الموضعين مما تحت الإزار وما فوقه والله أعلم
باب بيان معنى الحيض ومقداره
قال أبو بكر الحيض اسم لمقدار من الدم يتعلق به أحكام منها تحريم الصلاة والصوم وحطر الجماع وانقضاء العدة واجتناب دخول المسجد ومس المصحف وقراءة القرآن وتصير المرأة به بالغة فإذا تعلق بوجود الدم هذه الأحكام كان له مقدار ما سمي حيضا وإذا لم يتعلق به هذه الأحكام لم يسم حيضا ألا ترى أن الحائض ترى الدم في أيامها وبعد أيامها على هيئة واحدة فيكون ما في أيامها منه حيضا لتعلق هذه الآحكام به مع وجوده وما بعد أيامها فليس بحيض لفقد هذه الأحكام مع وجوده وكذلك نقول في الحامل أنها لا تحيض وهي قد ترى الدم ولكن ذلك الدم لما لم يتعلق به ما ذكرنا من الأحكام لم يسم حيضا فالمستحاضة قد ترى الدم السائل دهرا ولا يكون حيضا وإن كان كهيئة الدم الذي