كان للاحتمال فيه مساغ على الوجه الذي ذكرنا وكان واجبا حمل الغاية على حقيقتها فالذي يقتضيه ظاهر التلاوة إباحة وطئها بانقطاع الدم الذي يخرج به من الحيض ومن جهة أخرى فيها احتمال وهو أن يكون معنى قوله فإذا تطهرن فإذا حل لهن أن يتطهرن بالماء أو التيمم كقوله إذا غابت الشمس فقد أفطر الصائم معناه قد حل له الإفطار وقوله من كسر أو عرج فقد حل وعليه الحج من قابل معناه فقد جاز له أن يحل وكما يقال للمطلقة إذا انقضت عدتها أنها قد حلت للأزواج ومعناه قد حل لها أن تتزوج وعلى هذا المعنى قال النبي ص - لفاطمة بنت قيس إذا حللت فآذنيني وإذا احتمل ذلك لم تزل الغاية عن حقيقتها بحظر الوطء بعدها وأما قوله تعالى فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن الغاية في هذا الموضع مستعملة على حقيقتها ونكاح الزوج وهو وطؤه إياها هو الذي يرفع التحريم الواقع بالثلاث ووطء الزوج الثاني مشروط لذلك وقد ارتفع ذلك بالوطء قبل طلاقه إياها وطلاق الزوج الثاني غير مشروط في رفع التحريم الواقع بالثلاث فإذا لا دليل للشافعي في الآية على الحد الذي ذكرنا على صحة مذهبه ولا على نفي قول مخالفيه وأما على مذهبنا فإن الآية مستعملة على ما احتملت من التأويل على حقيقتها في الحالتين اللتين يمكن استعمالهما فنقول إن قوله يطهرن إذا قرئ بالتخفيف فهو مستعمل على حقيقته فيمن كانت أيامها عشرا فيجوز للزوج استباحة وطئها بمضي العشر وقوله يطهرن بالتشديد فإذا تطهرن مستعملان في الغسل إذا كانت أيامها دون العشر ولم يمض وقت الصلاة لقيام الدلالة على أن مضي وقت الصلاة يبيح وطئها على ما سنبينه فيما بعد ولا يكون فيه استعمال واحد من الفعلين على المجاز بل مستعملان على الحقيقة في الحالين فإن قيل هلا كانت القراءتان كالآيتين تستعملان معا في حال واحدة قيل له لو جعلناهما كالآيتين كان ما ذكرنا أولى من قبل أنه لو وردت آيتان تقتضي إحداهما انقطاع غاية الدم لإباحة الوطء والأخرى تقتضي الغسل غاية لها لكان الواجب استعمالهما على حالين على أن تكون كل واحدة منهما مقرة على حقيقتها فيما اقتضته من حكم الغاية ولا يمكن ذلك إلا باستعمالهما في حالين على الوجه الذي بينا ولو استعملناهما على ما يقول المخالف كان فيه إسقاط إحدى الغايتين لأنه يقول إنها وإن طهرت وانقطع دمها لم يحل له أن يطأها حتى تغتسل فلو جعلنا ذلك دليلا مبتدأ كان سائغا مقنعا وإنما اعتبر أصحابنا فيمن


الصفحة التالية
Icon