قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (بَاعِدْ) و (بَعِّدْ) فالمعنى واحد، والتقدير يا ربَّنَا
بَاعِد، على الدعاء. وهو مثل: نَاعَمَ، ونَعِّمَ، وجاريةُ مُنَعَّمة، ومناعَمَة.
وَمَنْ قَرَأَ (ربُّنا بَاعَدَ) فهو فعل ماض، وليس بدعاء، وقد يكون (فَاعَلَ) من
واحد، كما يقال: عاقَبَه الله، وعافاه.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ)
قرأ الكوفيون (صَدَّقَ) مشددًا
وقرأ الباقون (صَدَقَ) مخففًا.
(ظَنَّهُ) نَصْبٌ باتفاقٍ من القرَّاء
ومن شدد (صَدَّقَ) فإن الفراء قال: معناه: إن إبليس - لعنه الله - كان
قال: (لأضِلنَّهُمْ)، و (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ).
فقال اللَّه عزَّ وجلَّ: (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ)
لأن قوله كان ظنا لا علمًا، فلما تَابعه أهل الزيغ صدق عليهم ظنهُ.
وَمَنْ قَرَأَ (وَلَقَدْ صَدَقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ)
فإن الفراء قال: أراد: وَلَقَدْ صَدَقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ في ظَنِّهُ.
فحذف (في) وأفضى، الفعل إلى (ظنه) فنصبه.
وقوله جلَّ وعزَّ: (إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ (٢٣)