والتحقق بمجاري البلاغات - فإنما يكفيك التأمل ويغنيك التصور
وان كنت في الصنعة مرمدا وفي المعرفة بها متوسطا فلا بد لك من التقليد ولا غنى بك عن التسليم إن الناقص في هذه الصنعة كالخارج عنها والشادي فيها كالبائن منها
فإن أراد أن نقرب عليه أمرا ونفسح له طريقا ونفتح له بابا - وليعرف به إعجاز القرآن - فإنا نضع بين يديه الأمثلة ونعرض عليه الأساليب ونصور له صور كل قبيل من النظم والنثر ونحضره من كل فن من القول شيئا يتأمله حق تأمله ويراعيه حق رعايته فيستدل استدلال العالم ويستدرك استدراك الناقد ويقع له الفرق بين الكلام الصادر عن الربوبية الطالع عن الإلهية الجامع بين الحكم والحكم والإخبار عن الغيوب والغائبات والمتضمن لمصالح الدنيا والدين والمستوعب لجلية اليقين والمعاني المخترعة في تأسيس أصل الشريعة وفروعها بالألفاظ الشريفة على تفننها وتصرفها ونعمد إلى شيء من الشعر المجمع عليه فنبين وجه النقص فيه وندل على انحطاط رتبته ووقوع أبواب الخلل فيه حتى إذا تأمل ذلك وتأمل ما نذكره - من تفصيل إعجاز القرن وفصاحته وعجيب براعته - انكشف له واتضح وثبت ما وصفناه لديه ووضح ليعرف حدود البلاغة ومواقع البيان والبراعة ووجه التقدم في الفصاحة
وذكر الجاحظ في كتاب البيان والتبيين أن الفارسي سئل فقيل له ما البلاغة فقال معرفة الفصل من الوصل
وسئل اليوناني عنها فقال تصحيح الأقسام واختيار الكلام
وسئل الرومي عنها فقال حسن الاقتضاب عند البداهة والغزارة يوم الإطالة