من بين صغير وكبير وعرفوه حتى صار لا يشتبه على أحد منهم حرف لا يجوز عليهم السهو النسيان ولا التخليط فيه والكتمان
ولو زادوا او نقصوا أو غيروا لظهر وقد علمت أن شعر امرئ القيس وغيره - على أنه لا يجوز أن يظهر ظهور القرآن ولا أن يحفظ كحفظه ولا أن يضبط كضبطه ولا أن تمس الحاجة إليه إمساسها إلى القرآن - لو زيد فيه بيت أو نقص منه بيت لا بل لو غير فيه لفظ - لتبرأ منه أصحابه وأنكره أربابه
فإذا كان ذلك مما لا يمكن أن يكون في شعر امرئ القيس ونظرائه مع أن الحاجة إليه تقع لحفظ العربية فكيف يجوز أو يمكن ما ذكروه في القرآن مع شدة الحاجة إليه في الصلاة التي هي أصل الدين ثم في الأحكام والشرائع واشتمال الهمم المختلفة على ضبطه
فمنهم من يضبطه لأحكام قراءته و معرفة وجوهها وصحة أدائها
ومنهم من يحفظه للشرائع والفقه
ومنهم من يضبطه ليعرف تفسيره و معانيه
ومنهم من يقصد بحفظه الفصاحة و البلاغة
ومن الملحدين من يحصله لينظر في عجيب شأنه
وكيف يجوز على أهل هذه الهمم المختلفة والآراء المتباينة - على كثرة أعدادهم واختلاف بلادهم وتفاوت أغراضهم - أن يجتمعوا على التغيير و التبديل والكتمان
ويبين ذلك أنك إذا تأملت ما ذكر في أكثر السور مما بينا ومن نظائره في رد قومه عليه ورد غيرهم وقولهم لو نشاء لقلنا مثل هذا و قول بعضهم إن ذلك سحر و قول بعضهم ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق إلى الوجوه التي يصرف إليها قولهم في الطعن عليه