إلى النبي ليكلمه وكان حسن الحديث عجيب البيان بليغ الكلام وأرادوا أن يأتيهم بما عنده فقرأ النبي سورة حم السجدة من أولها حتى انتهى إلى قوله فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود فوثب مخافة العذاب فاستحكوه ما سمع فذكر أنه لم يفهم منه كلمة واحدة ولا اهتدى لجوابه ولو كان ذلك من جنس كلامهم لم يخف عليه وجه الاحتجاج والرد فقال له عثمان بن مظعون لتعلموا أنه من عند الله إذا لم يهتد لجوابه
وأبين من ذلك قول الله عز و جل وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم ابلغه مأمنه فجعل سماعه حجة عليه بنفسه فدل على أن فيهم من يكون سماعه إياه حجة عليه
فإن قيل لو كان كذلك على ما قلتم لوجب أن يكون حال الفصحاء الذين كانوا في عصر النبي على طريقة واحدة في إسلامهم عند سماعه
قيل له لا يجب ذلك لأن صوار فهم كانت كثيرة منها أنهم كانوا يشكون ففيهم من يشك في إثبات الصانع وفيهم من يشك في التوحيد وفيهم من يشك في النبوة ألا ترى أن أبا سفيان بن حرب لما جاء إلى رسول الله ليسلم عام الفتح قال له النبي عليه السلام أما آن لك ان تشهد ان لا اله إلا الله قال بلى فشهد قال أما آن لك ان تشهد أني رسول الله قال أما هذه ففي النفس منها شيء
فكانت وجوه شكوكهم مختلفة وطرق شبههم متباينة فمنهم من قلت شبههه وتأمل الحجة حق تأملها ولم يستكبر فأسلم ومنهم من كثرت شبهه أو اعرض عن تأمل الحجة حق تأملها أو لم يكن في البلاغة على حدود النهاية فتطاول عليه الزمان إلى ان نظر واستبصر وراعى واعتبر واحتاج إلى ان يتأمل عجز غيره عن الإتيان بمثله فلذلك وقف أمره