كان يختلف إلى تعلم علم ويشتغل بملابسه أهل صنعة لم يخف على الناس أمره ولم يشتبه عندهم مذهبه وقد كان يعرف من يحسن هذا العلم وإن كان نادرا وكذلك كان يعرف فيهم من يختلف إليه للتعلم وليس يخفي في العرف عالم كل صنعة ومتعلمها فلو كان منهم لم يخف أمره
والوجه الثالث أنه بديع النظم عجيب التأليف متناه في البلاغة إلى الحد الذي يعلم عجز الخلق عنه والذي أطلقه العلماء هو على هذه الجملة ونحن نفصل ذلك بعض التفصيل ونكشف الجملة التي أطلقوها
فالذي يشتمل عليه بديع نظمه المتضمن للإعجاز وجوه
منها ما يرجع إلى الجملة وذلك أن نظمم القرآن على تصرف وجوهه وتباين مذاهبه - خارج عن المعهود من نظام جميع كلامهم و ومباين للمألوف من ترتيب خطابهم وله أسلوب يختص به ويتميز في تصرفه عن أساليب الكلام المعتاد وذلك أن الطرق التي يتقيد بها الكلام البديع المنظوم تنقسم إلى أعاريض الشعر على اختلاف أنواعه ثم إلى أنواع الكلام الموزون غير المقفى ثم إلى أصناف الكلام المعدل المسجع ثم إلى معدل موزون غير مسجع ثم إلى ما يرسل إرسالا فتطلب فيه الإصابة والإفادة وإفهام المعاني المعترضة على وجه بديع ترتيب لطيف وإن لم يكن معتدلا في وزنه وذلك شبيه بجملة الكلام الذي لا يتعمل فيه ولا يتصنع له وقد علمنا أن القرآن خارج عن هذه الوجوه ومباين لهذه الطرق ويبقى علينا أن نبين أنه ليس من باب مسجع ولا فيه شيء منه وكذلك ليس من قبيل الشعر لأن من الناس من زعم أنه كلام السجع ومنهم من يدعى فيه شعرا كثيراوالكلام عليهم يذكر بعد هذا الموضع فهذا إذا تأمله المتأمل تبين - بخروجه عن أصناف كلامهم وأساليب خطابهم - أنه خارج عن العادة وأنه معجزوهذه خصوصية ترجع إلى جملة القرآن وتميز حاصل في جميعه


الصفحة التالية
Icon