وقد يكن أن تعاد فاتحة كل سورة لفائدة تخصها في النظم إذا كانت حروفا كنحو آلم لأن الألف المبدوء بها هي أقصاها مطلا واللام متوسطة والميم متطرفة لأنها تأخذ في الشفة فنبه بذكرها على غيرها من الحروف وبين أنه إنما أتاهم بكلام منظوم مما يتعارفون من الحروف التي تتردد بين هذين الطرفين
ويشبه أن يكون التضيف وقع في هذه الحروف دون الألف لأن الألف قد تلغى وقد تقع الهمزة وهي موقعا واحدا
ومعنى عاشر وهو أنه سهل سبيله فهو خارج عن الوحشي المستكره والغريب المستنكر وعن الصنعة المتكلفة وجعله قريبا إلى الإفهام يبادر معناه لفظه إلى القلب ويسابق المغزى منه عبارته إلى النفس وهو مع ذلك ممتنع المطلب عسير المتناول غير مطمع مع قربه في نفسه ولا موهم مع دنوه في موقعه أن يقدر عليه أو يظفر به
فأما الانحطاط عن هذه الرتبة إلى رتبة الكلام المبتذل والقول المسفسف فليس يصح أن تقع فيه فصاحة أو بلاغة فيطلب فيه الممتنع أو يوضع فيه الإعجاز
ولكن لو وضع في وحشي مستكره أو غمر بوجوه الصنعة وأطبق بأبواب التعسف والتكلف - لكان لقائل أن يقول فيه ويعتذر أو يعيب ويقرع
ولكنه أوضح مناره وقرب منهاجه وسهل سبيله وجعله في ذلك متشابها متماثلا وبين مع ذلك إعجازهم فيه
وقد علمت أن كلام فصحائهم وشعر بلغائهم لا ينفك من تصرف في غريب مستنكر أو وحشي مستكره ومعان مستبعدة ثم عدولهم إلى كلام مبتذل وضيع لا يوجد دونه في الرتبة ثم تحولهم إلى كلام معتدل بين الأمرين متصرف بين المنزلتين
فمن شاء أن يتحقق هذا نظر في قصيدة امرئ القيس
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل


الصفحة التالية
Icon