ونحن نذكر بعد هذا في التفصيل ما يكشف عن مباينة ذلك وجوه السجع
ومن جنس السجع المعتاد عندهم قول أبي طالب لسيف يبن ذي يزن أنبتك منبتا طابت أرومته وعزت جرثومته وثبت أصله وبسق فرعه ونبت زرعه في أكرم موطن وأطيب معدن وما يجري هذا المجرى من الكلام
والقرآن مخالف لهذه الطريقة مخالفته للشعر وسائر أصناف كلامهم الدائر بينهم
ولا معنى لقولهم إن ذلك مشتق من ترديد الحمامة صوتها على نسق واحد وروي غير مختلف لأن ما جرى هذا المجري لا يبني على الاشتقاق وحده ولو بنى عليه لكان الشعر سجعا لأن روية يتفق ولا يختلف وتتردد القوافي على طريقة واحدة
وأما الأمور التي يستريح إليها الكلام فإنها تختلف فربما كان ذلك يسمى قافية وذلك إنما يكون في الشعر وربما كان ما ينفصل عنده الكلامان مقاطع السجع وربما سمي ذلك فواصل وفواصل القرآن مما هو مختص بها لا شركة بينه وبين سائر الكلام فيها ولا تناسب
وأما ما ذكروه من تقديم موسى على هارون عليهما السلام في موضع وتأخيره عنه في موضع لمكان السجع وتساوي مقاطع الكلام فليس بصحيح لأن الفائدة عندنا غير ما ذكروه وهي أن إعادة ذكر القصة الواحدة بألفاظ مختلفة وتؤدي معنى واحدا من الأمر الصعب الذي تظهر به الفصاحة وتتبين به البلاغة وأعيد كثير من القصص في مواضع كثيرة مختلفة على ترتيبات متفاوتة ونبهوا بذلك على عجزهم عن الإتيان بمثله مبتدأ به ومكررا
ولو كان فيهم تمكن من المعارضة لقصدوا تلك القصة وعبروا عنها بألفاظ