وقد اختلفوا في الشعر كيف اتفق لهم فقد قيل إنه اتفق في الأصل غير مقصود إليه على ما يعرض من أصناف النظام في تضاعيف الكلام ثم لما استحسنوه واستطابوه ورأوا أنه قد تألفه الأسماع وتقبله النفوس تتبعوه من بعد وتعملوه وحكي لي بعضهم عن أبي عمر غلام ثعلب عن ثعلب أن العرب تعلم أولادها قول الشعر بوضع غير معقول يوضع على بعض أوزان الشعر كأنه على وزن
قفا نبك من ذكري حبيب ومنزل...
ويسمون ذلك الوضع المتير واشتقاقه من المتر وهو الجذب أو القطع يقال مترت الحبل أي قطعته أو جذبته ولم يذكر هذه الحكاية عنهم غيره فيحتمل ما قاله
وأما ما وقع السبق إليه فيشبه أن يكون على ما قد منا ذكره أولا
وقد يحتمل على قول من قال إن اللغة اصطلاح أنهم تواضعوا على هذا الوجه من النظم
وقد يمكن أن يقال مثله على المذهب الآخر وأنهم وقفوا على ما يتصرف إليه القول من وجوه التفاصح وتواقفوا بينهم على ذلك
ويمكن أن يقال إن التواضع وقع على أصل الباب وكذلك التوقيف ولم يقع على فنون تصرف الخطاب وإن الله تعالى أجرى على لسان بعضهم من النظم ما أجري وفطنوا لحسنة فتتبعوه من بعد وبنوا عليه وطلبوه ورتبوا فيه المحاسن التي يقع الإطراب بوزنها وتهش النفوس إليها وجمع دواعيهم وخواطرهم على استحسان وجوه من ترتيبها واختبار طرق من تنزيلها وعرفهم محاسن الكلام ودلهم على كل طريقة عجيبة ثم أعلمهم عجزهم عن الإتيان بمثل القرآن وأن القدر الذي تتناهى إليه قدرهم هو ما لم يخرج عن لغتهم ولم يشذ من جميع كلامهم بل قد عرض في خطابهم ووجدوا أن