ثم قال وأعلم أن الدنيا حلوة خضرة والحواس الخمس ماثلة إليها فإذا كثرت وتوالت استغرقت فيها وانصرف الإنسان بكليته إليها فيصير ذلك سببا لحرمانه من ذكر الله ثم أنه يحصل في قلبه نوع قسوة وقوه وقهر وكلما كان المال والجاه أكثر كانت تلك القسوة أقوى وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى إن الإنسان ليطغى إن رءاه استغنى فظهر أن كثرة الأموال والاولاد سبب قوي في زوال حب الله تعالى وحب الآخرة من القلب وفي حصول الدنيا وشهواتها في القلب وعند الموت كان الإنسان ينتقل من البستان إلى السجن ومن مجالسة الأقرباء والأحبة إلى موضع الغربة والكربة فيعظم تألمه ويقوى حزمنه ثم عند الحشر حلالها حساب وحرامها عقاب فثبت أن كثرة الأموال والأولاد سبب لحصول العذاب في الدنيا والآخرة انتهى ثم أخبر سبحانه أنهم ليسوا من المؤمنين وإنما هم يفزعون منهم والفرق الخوف
وقوله سبحانه لو يجدون ملجأ الملجأ من لجأ يلجأ إذا أوى واعتصم وقرأ الجمهور أو مغارات بفتح الميم وهي الغيران في أعراض الجبال أو مدخلا معناه السرب والنفق في الأرض وهو تفسير ابن عباس في هذه الألفاظ وقرأ جمهور الناس يجمحون ومعناه يسرعون قال الفخر قوله وهم يجمحون أي يسرعون إسراعا لا يرد وجوههم شيء ومن هذا يقال جمح الفرس وفرس جموح وهو الذي إذا حمل لم يرده اللجام انتهى وقوله عز و جل ومنهم من يلمزك الآية أي ومن المنافقين من يلمزك أي يعيبك ويأخذ منك في الغيبة ومنه قول الشاعر... إذا لقيتك تبدي لي مكاشرة... وإن أغيب فأنت الهامز اللمزه...
ومنه قوله سبحانه ويل لكل همزة لمزة
سبحانه ولو أنهم رضوا ما ءاتاهم الله ورسوله الآية المعنى لو أن هؤلاء المنافقين رضوا قسمة الله الرزق