الذين ٣
من قتل قتيلا فله سلبه وقول ابن عباس رضى الله عنهما إذا أراد احدكم الحج فليعجل فإنه يمرض المريض فسمى المشارف للقتل والمرض قتيلا ومريضا ولم يقل هدى للضالين لأنهم فريقان فريق علم بقاءهم على الضلالة وفريق علم أن مصيرهم إلى الهدى وهو هدى لهؤلاء فحسب فلو جئ بالعبارة المفصحة عن ذلك لقيل هدى للصائرين إلى الهدى بعد الضلال فاختصر الكلام باجرائه على الطريقة التي ذكرنا فقيل هدى للمتقين مع أن فيه تصديرا للسورة التى هى اولى الزهراوين وسنام القرآن بذكر أولياء الله والمتقى فى اللغة اسم فاعل من قولهم وقاه فاتقى ففاؤها واو ولامها ياء و إذا بنيت من ذلك افتعل قلبت الواو تاء وأدغمتها فى التاء الأخرى فقلت اتقى والوقاية فرط الصيانة وفى الشريعة من يقى نفسه تعاطى ما يستحق به العقوبة من فعل أو ترك ومحل هدى الرفع لأنه خبر مبتدأ محذوف أو خبر مع لا ريب فيه لذلك أو النصب على الحال من الهاء فى فيه والذى هو أرسخ عرقا فى البلاغة أن يقا أن قوله الم جملة برأسها أو طائفة من حروف المعجم مستقلة بنفسها وذلك الكتاب جملة ثاينة ولا ريب فيه ثالثة وهدى للمتقين رابعة وقد أصيب بترتيبها مفصل البلاغة حيث جئ بها متناسقة هكذا من غير حرف عطف وذلك لمجيئها متآخية آخذا بعضها بعنق بعض فالثانية متحدة بالأولى معتنقة لها وهلم جر إلى الثالثة والرابعة بيان ذلك أنه نبه اولا على أنه الكلام المتحدى به ثم أشير إليه بانه الكتاب المنعوت بغاية الكمال فكان تقرير الجهة التحدي ثم نفى عنه أن يتشبث به طرف من الريب فكان شهادة وتسجيلا بكماله لأنه لا كمال أكمل مما للحق واليقين ولا نقص أنقص مما للباطل والشبهة وقيل لعالم فيم لذتك قال في حجة تتبختر اتضاحا وفى شبهة تتضاءل افتضاحا ثم أخبر عنه بأنه هدى للمتقين فقرر بذلك كونه يقينا لا يحوم الشك حوله وحقا لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه ثم لم تخل كل واحدة من الأربع بعد أن رتبت هذا الترتيب الأنيق ونظمت هذا النظم الرشيق من نكتة ذات جزالة ففى الأولى الحذف والرمز إلى المطلوب بألطف وجه وفى الثانية ما فى التعريف من الفخامة وفى الثالثة ما فى تقديم الريب على الظرف وفى الرابعة الحذف ووضع المصدر الذى هو هدى موضع الوصف الذى هو هاد كأن نفسه هداية وإيراده منكرا ففيه إشعار بأنه هدى لا يكتنه كنهه والايجاز فى ذكر المتقين كما مر الذين فى موضع رفع أو نصب على المدح أي هم الذين يؤمنون أو أعنى الذين يؤمنون أو هو مبتدأ وخبره أولئك على هدى أو جر على أنه صفة للمتقين وهى صفة واردة بيانا وكشفا للمتقين كقولك زيد الفقيه المحقق لاشتمالها على ما أسست عليه حال المتقين من الإيمان الذى هو أساس الحسنات والصلاة والصدقة فهما العبادات البدنية والمالية وهما العيار على غيرهما ألا ترى أن النبي عليه السلام سمى الصلاة عماد الدين وجعل الفاصل بين الإسلام والكفر ترك الصلاة وسمى الزكاة قنطرة الإسلام فكان من شأنهما استتباع سائر العبادات ولذلك اختصر الكلام بأن استغنى عن عد الطاعات بذكر


الصفحة التالية
Icon