البقرة ١٦ - ١٧
عليه و إنما قال اشتروا الضلالة بالهدى ولم يكونوا على هدى لأنها فى قوم آمنوا ثم كفروا أو فى اليهود الذين كانوا مؤمنين بمحمد صلى الله عليه و سلم فلما جاءهم كفروا به أو جعلوا لتمكنهم منه كأن الهدى قائم فيهم فتركوه بالضلالة وفيه دليل على جواز البيع تعاطيا لأنهم لم يتلفظوا بلفظ الشرا ولكن تركوا الهدى بالضلالة عن اختيارهم وسمى ذلك شراء فصار دليلا لنا على أن من أخذ شيا من غيره وترك عليه عوضه برضاه فقد اشتراه وإن لم يتكلم به والضلالة الجور عن القصد وفقد الاهتداء يقال ضل منزله فاستعير للذهاب عن الصواب فى الدين فما ربحت تجارتهم الربح الفضل على رأس المال والتجارة صناعة التاجر وهو الذى يبيع ويشترى للربح وإسناد الربح إلى التجارة من الإسناد المجازي ومعناه فما ربحوا فى تجارتهم إذ التجارة لا تربح ولما وقع شراء الضلالة بالهدى مجازا اتبعه ذكر الربح والتجارة ترشيحا له كقوله... ولما رأيت النسر عز ابن دأية... وعشش فى وكريه جاش له صدرى...
لما شبه الشيب بالنسر والشعر الفاحم بالغراب أتبعه ذكر التعشيش والوكر وما كانوا مهتدين لطرق التجارة كما يكون التجار المتصرفون العالمون بما يربح فيه ويخسر والمعنى أن مطلوب التجار سلامة رأس المال والربح وهؤلاء قد أضاعوهما فرأس مالهم الهدى ولم يبق لهم مع الضلالة و إذا لم يبق لهم إلا الضلالة لم يوصفوا بإصابة الربح وان ظفروا بالأغراض الدنيوية لأن الضال خاسر و لأنه لا يقال لمن لم يسلم له رأس ماله قد ربح وقيل الذين صفة أولئك وفما ربحت تجارتهم إلى آخر الآية فى محل الرفع خبر أولئك مثلهم كمثل الذى استوقد نارا لما جاء بحقيقة صفتهم عقبها بضرب المثل زيادة فىالكشف وتتميما للبيان ولضرب الأمثال فى إبراز خفيات المعانى ورفع الأستار عن الحقائق تأثير ظاهر ولقد كثر ذلك فى الكتب السماوية ومن سور الانجيل سورة الأمثال والمثل فى أصل كلامهم هو المثل وهو النظير يقال مثل ومثل ومثيل كشبه وشبه وشبيه ثم قيل للقول السائر المثل مضربه بمورده مثل ولم يضربوا مثلا إلا قولا فيه غرابة ولذا حوفظ عليه فلا يغير وقد استعير المثل للحال أو الصفة أو القصة إذا كان لها شأن وفيها غرابة كأنه قيل حالهم العجيبة الشأن كحال الذى استوقد نارا وكذلك قوله مثل الجنة التى وعد المتقون أى فيما قصصنا عليك من العجائب قصة الجنة العجيبة الشأن ثم أخذ فى بيان عجائبها ولله المثل الأعلى أى الوصف الذى له شأن من العظمة والجلالة ووضع الذى موضع الذين كقوله وخضتم كالذى خاضوا فلا يكون تمثيل الجماعة بالواحد أو قصد جنس المستوقدين أو أريد الفوج الذى استوقد نارا على أن ذوات المنافقين لم يشبهوا بذات المستوقد حتى يلزم منه تشبيه الجماعة بالواحد إنما شبهت قصتهم بقصة المستوقد ومعنى


الصفحة التالية
Icon