وقوله : ٥٠ - ﴿ وإذ فرقنا ﴾ متعلق بما تقدم من قوله :﴿ اذكروا ﴾ وفرقنا : فلقنا وأصل الفرق الفصل ومنه فرق الشعر وقرأ الزهري فرقنا بالتشديد والباء في قوله :﴿ بكم ﴾ قيل : هي بمعنى اللام : أي لكم وقيل : هي الباء السببية : أي فرقناه بسببكم وقيل : إن الجار والمجرور في محل الحال : أي فرقناه متلبسا بكم والمراد ها هنا أن فرق البحر كان بهم : أي بسبب دخولهم فيه : أي لما صاروا بين الماءين صار الفرق بهم وأصل البحر في اللغة : الاتساع أطلق على البحر الذي هو مقابل البر لما فيه من الاتساع بالنسبة إلى النهر والخليج ويطلق على الماء المالح ومنه أبحر الماء : إذا ملح قال نصيب :
( وقد عاد ماء الأرض بحرا فزادني | إلى مرضي أن أبحر المشرب العذب ) |
وقوله :
﴿ فأنجيناكم ﴾ أي أخرجناكم منه :
﴿ وأغرقنا آل فرعون ﴾ فيه وقوله :
﴿ وأنتم تنظرون ﴾ في محل نصب على الحال : أي حال كونكم ناظرين إليهم بأبصاركم وقيل معناه : وأنتم تنظرون : أي ينظر بعضكم إلى البعض الآخر من السالكين في البحر وقيل : نظروا إلى أنفسهم ينجون وإلى آل فرعون يغرقون والمراد بآل فرعون هنا هو وقومه وأتباعه وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب أنه كان إذا تلا
﴿ اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ﴾ قال : مضى القوم وإنما يعني به أنتم وأخرج ابن جرير عن سفيان بن عيينة قال في قوله :
﴿ اذكروا نعمتي ﴾ هي أيادي الله وأيامه وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال : نعمة الله التي أنعم بها على بني إسرائيل فيما سمى وفيما سوى ذلك فجر لهم الحجر وأنزل عليهم المن والسلوى وأنجاهم من عبودية آل فرعون وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة في قوله :
﴿ وأني فضلتكم على العالمين ﴾ قال : فضلوا على العالم الذي كانوا فيه ولكل زمان عالم وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد نحوه وأخرج ابن أبي حاتم وابن جرير عن أبي العالية في قوله :
﴿ فضلتكم على العالمين ﴾ قال : بما أعطوا من الملك والرسل والكتب على من كان في ذلك الزمان فإن لكل زمان عالما وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله :
﴿ لا تجزي نفس عن نفس شيئا ﴾ قال : لا تغني نفس مؤمنة عن نفس كافرة من المنفعة شيئا وأخرج ابن جرير عن عمرو بن قيس الملائي عن رجل من بني أمية من أهل الشام أحسن الثناء عليه قال :[ قيل : يا رسول الله ما العدل ؟ قال : العدل الفدية ] وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس نحوه قال ابن أبي حاتم وروي عن أبي مالك والحسن وسعيد بن جبير وقتادة والربيع بن أنس نحو ذلك وأخرج عبد الرزاق عن علي في تفسير الصرف والعدل قال : التطوع والفريضة قال ابن كثير : وهذا القول غريب ههنا والقول الأول أظهر في تفسير هذه الآية وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : قالت الكهنة لفرعون إنه يولد في هذا العام مولود يذهب بملكه فيجعل فرعون على كل ألف امرأة مائة رجل وعلى كل مائة عشرة وعلى كل عشر رجلا فقال : انظروا كل امرأة حامل في المدينة فإذا وضعت حملها فإن كان ذكرا فاذبحوه وإن كان أنثى فخلوا عنها وذلك قوله :
﴿ يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم ﴾ وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله :
﴿ يسومونكم سوء العذاب ﴾ قال : إن فرعون ملكهم أربعمائة سنة فقالت له الكهنة : إنه سيولد العام بمصر غلام يكون هلاكك على يديه فبعث في أهل مصر نساء قوابل فإذا ولدت امرأة غلاما أتي به فرعون فقتله ويستحيي الجواري وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :
﴿ بلاء من ربكم عظيم ﴾ يقول : نقمة وأخرج وكيع عن مجاهد نحوه وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله :
﴿ وإذ فرقنا بكم البحر ﴾ فقال : إي والله لفرق البحر بينهم حتى صار طريقا يبسا يمشون فيه فأنجاهم الله وأغرق آل فرعون عدوهم وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس قال :[ قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة فرأى اليهود يصومون يوم عاشوراء فقال : ما هذا اليوم ؟ قالوا : هذا يوم صالح نجى الله فيه بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : نحن أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصومه ] وقد أخرج الطبراني وأبو نعيم في الحلية عن سعيد بن جبير أن هرقل كتب إلى معاوية يسأله عن أمور منها عن البقعة التي لم تصبها الشمس إلا ساعة فكتب معاوية إلى ابن عباس فأجابه عن تلك الأمور وقال : وأما البقعة التي لم تصبها الشمس إلا ساعة من نهار : فالبحر الذي أفرج عن بني إسرائيل ولعله سيأتي إن شاء الله تعالى زيادة على ما هنا عند تفسير قوله تعالى :
﴿ أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ﴾