٦٥ - ﴿ ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ﴾ والسبت في أصل اللغة : القطع لأن الأشياء تمت فيه وانقطع العمل وقيل : هو مأخوذ من السبوت وهو الراحة والدعة وقال في الكشاف : السبت مصدر سبتت اليهود : إذا عظمت يوم السبت انتهى وقد ذكر جماعة من المفسرين أن اليهود افترقت فرقتين : ففرقة اعتدت في السبت : أي جاوزت ما أمرها الله به من العمل فيه فصادوا السمك الذي نهاهم الله عن صيده فيه والفرقة الأخرى انقسمت إلى فرقتين : ففرقة جاهرت بالنهي واعتزلت وفرقة لم توافق المعتدين ولا صادوا معهم لكنهم جالسوهم ولم يجاهروهم بالنهي ولا اعتزلوا عنهم فمسخهم الله جميعا ولم تنج إلا الفرقة الأولى فقط وهذه من جملة المحن التي امتحن الله بها هؤلاء الذين بالغوا في العجرفة وعاندوا أنبياءهم وما زالوا في كل موطن يظهرون من حماقاتهم وسخف عقولهم وتعنتهم نوعا من أنواع التعسف وشعبا من شعب التكلف فإن الحيتان كانت في يوم السبت كما وصف الله سبحانه بقوله :﴿ إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم ﴾ فاحتالوا لصيدها وحفروا الحفائر وشقوا الجداول فكانت الحيتان تدخلها يوم السبت فيصيدونها يوم الأحد فلم ينتفعوا بهذه الحيلة الباطلة والخاسئ : المبعد يقال : خسأته فخسأ وخسئ وانخسأ : أبعدته فبعد ومنه قوله تعالى :﴿ ينقلب إليك البصر خاسئا ﴾ أي مبعدا وقوله :﴿ اخسؤوا فيها ﴾ أي تباعدوا تباعد سخط ويكون الخاسئ بمعنى الصاغر والمراد هنا : كونوا بين المصير إلى أشكال القردة مع كونهم مطرودين صاغرين فقردة خبر الكون وخاسئين خبر آخر وقيل : إنه صفة لقردة والأول أظهر
واختلف في مرجع الضمير في قوله : ٦٦ - ﴿ فجعلناها ﴾ وفي قوله :﴿ لما بين يديها وما خلفها ﴾ فقيل : العقوبة وقيل : الأمة وقيل : القرية وقيل : القردة وقيل : الحيتان والأول أظهر والنكال : الزجر والعقاب والنكل : القيد لأنه يمنع صاحبه ويقال : للجام الدابة نكل لأنه يمنعها والموعظة مأخوذة من الاتعاظ والانزجار والوعظ : التخويف وقال الخليل : الوعظ التذكير بالخير وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : الطور الجبل الذي أنزلت عليه التوراة وكان بنو إسرائيل أسفل منه وأخرج نحوه عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال : الطور ما أنبت من الجبال وما لم ينبت فليس بطور وأخرج ابن جرير عنه في قوله :﴿ خذوا ما آتيناكم بقوة ﴾ قال : أي جد وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله :﴿ واذكروا ما فيه ﴾ قال : اقرأوا ما في التوراة واعملوا به وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ لعلكم تتقون ﴾ قال : لعلكم تنزعون عما أنتم عليه وأخرج ابن جرير عنه قال :﴿ ولقد علمتم ﴾ أي عرفتم ﴿ اعتدوا ﴾ يقول : اجترأوا في السبت بصيد السمك فمسخهم الله قردة بمعصيتهم ولم يعش مسيخ قط فوق ثلاثة أيام ولم يأكل ولم يشرب ولم ينسل وأخرج ابن المنذر عنه قال : القردة والخنازير من نسل الذين مسخوا وأخرج ابن المنذر عن الحسن قال : انقطع ذلك النسل وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : مسخت قلوبهم ولم يمسخوا قردة وإنما هو مثل ضربه الله لهم كقوله :﴿ كمثل الحمار يحمل أسفارا ﴾ وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال : أحلت لهم الحيتان وحرمت عليهم يوم السبت ليعلم من يطيعه ممن يعصيه فكان فيهم ثلاثة أصناف وذكر نحو ما قدمناه عن المفسري وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : صار شباب القوم قردة والمشيخة صاروا خنازير وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ خاسئين ﴾ قال : ذليلين وأخرج ابن المنذر عنه في قوله :﴿ خاسئين ﴾ قال : صاغرين وأخرج ابن جرير عن مجاهد مثله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ فجعلناها نكالا لما بين يديها ﴾ من القرى ﴿ وما خلفها ﴾ من القرى ﴿ وموعظة للمتقين ﴾ الذين من بعدهم إلى يوم القيامة وأخرج ابن جرير عنه ﴿ فجعلناها ﴾ يعني الحيتان ﴿ نكالا لما بين يديها وما خلفها ﴾ من الذنوب التي عملوا قبل وبعد وأخرج ابن جرير عنه ﴿ فجعلناها ﴾ قال : جعلنا تلك العقوبة وهي المسخة ﴿ نكالا ﴾ عقوبة ﴿ لما بين يديها ﴾ يقول : ليحذر من بعدهم عقوبتي ﴿ وما خلفها ﴾ يقول : للذين كانوا معهم :﴿ وموعظة ﴾ قال : تذكرة وعبرة للمتقين