قد تقدم ما ذكرناه في قصة ذبح البقرة فيكون تقدير الكلام ٧٢ - ﴿ إذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون ﴾ فقال موسى لقومه :﴿ إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ﴾ إلى آخر القصة وبعدها ﴿ فقلنا اضربوه ببعضها ﴾ الآية وقال الرازي في تفسيره : اعلم أن وقوع القتل لا بد أن يكون متقدما لأمره تعالى بالذبح فأما الإخبار عن وقوع ذلك القتل وعن أنه لا بد أن يضرب القتيل ببعض تلك البقرة فلا يجب أن يكون متقدما على الإخبار عن قصة البقرة فقول من يقول : هذه القصة يجب أن تكون متقدمة في التلاوة على الأولى خطأ لأن هذه القصة في نفسها يجب أن تكون متقدمة على الأولى في الوجود فأما التقدم في الذكر فغير واجب لأنه تارة يقدم ذكر السبب على ذكر الحكم وأخرى على العكس من ذلك فكأنهم لما وقعت لهم تلك الواقعة أمرهم الله بذبح البقرة فلما ذبحوها قال : وإذ قتلتم نفسا من قبل ونسب القتل إليهم بكون القاتل منهم وأصل ادارأتم تدارأتم ثم أدغمت التاء في الدال ولما كان الابتداء بالمدغم الساكن لا يجوز زادوا ألف الوصل ومعنى ادارأتم : اختلفتم وتنازعتم لأن المتنازعين يدرأ بعضهم بعضا : أي يدفعه ومعنى ﴿ مخرج ﴾ مظهر : أي ما كتمتم بينكم من أمر القتل فالله مظهره لعباده ومبينه لهم وهذه الجملة معترضة بين أجزاء الكلام : أي فادارأتم فيها فقلنا
واختلف في تعيين البعض الذي أمروا بأن يضربوا القتيل به ولا حاجة إلى ذلك مع ما فيه من القول بغير علم ويكفينا أن نقول : أمرهم الله بأن يضربوه ببعضها فأي بعض ضربوا به فقد فعلوا ما أمروا به وما زاد على هذا فهو من فضول العلم إذا لم يرد به برهان قوله ٧٣ - :﴿ كذلك يحيي الله الموتى ﴾ في الكلام حذف والتقدير ﴿ فقلنا اضربوه ببعضها ﴾ فأحياه الله ﴿ كذلك يحيي الله الموتى ﴾ أي إحياء كمثل هذا الإحياء ﴿ ويريكم آياته ﴾ أي علاماته ودلائله الدالة على كمال قدرته وهذا يحتمل أن يكون خطابا لمن حضر القصة ويحتمل أن يكون خطابا للموجودين عند نزول القرآن