والويل : الهلاك وقال الفراء : الأصل في الويل وي : أي حزن كما تقول وي لفلان : أي حزن له فوصلته العرب باللام قال الخليل : ولم نسمع على بنائه إلا ويح وويس وويه وويك وويب وكله متقارب في المعنى وقد فرق بينها قوم وهي مصادر لم ينطق العرب بأفعالها وجاز الابتداء به وإن كان نكرة لأنه فيه معنى الدعاء والكتابة معروفة والمراد : أنهم يكتبون الكتاب المحرف ولا يبينون ولا ينكرونه على فاعله وقوله : ٧٩ - ﴿ بأيديهم ﴾ تأكيد لأن الكتابة لا تكون إلا باليد فهو مثل قوله :﴿ ولا طائر يطير بجناحيه ﴾ وقوله :﴿ يقولون بأفواههم ﴾ وقال ابن سراج : هو كناية عن أنه من تلقائهم دون أن ينزل عليهم وفيه أنه قد دل على أنه من تلقائهم قوله :﴿ يكتبون الكتاب ﴾ فإسناد الكتابة إليهم يفيد ذلك والاشتراء : الاستبدال وقد تقدم الكلام عليه ووصفه بالقلة لكونه فانيا لا ثواب فيه أو لكونه حراما لا تحل به البركة فهؤلاء الكتبة لم يكتفوا بالتحريف ولا بالكتابة لذلك المحرف حتى نادوا في المحافل بأنه من عند الله لينالوا بهذه المعاصي المتكررة هذا الغرض النزير والعوض الحقير وقوله :﴿ مما يكسبون ﴾ قيل : من الرشا ونحوها وقيل : من المعاصي وكرر الويل تغليظا عليهم وتعظيما لفعلهم وهتكا لأستارهم
وقوله : ٨١ - ﴿ بلى ﴾ إثبات بعد النفي : أي بلى تمسكم لا على الوجه الذي ذكرتم من كونه أياما معدودة والسيئة المراد بها الجنس هنا ومثله قوله تعالى :﴿ وجزاء سيئة سيئة مثلها ﴾ ﴿ من يعمل سوءا يجز به ﴾ ثم أوضح سبحانه أن مجرد كسب السيئة لا يوجب الخلود في النار بل لا بد أن تكون سيئة محيطة به قيل : هي الشرك وقيل : الكبيرة وتفسيرها بالشرك أولى لما ثبت في السنة تواترا من خروج عصاة الموحدين من النار ويؤيد ذلك كونها نازلة في اليهود وإن كان الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وقد قرأ نافع خطياته بالجمع وقرأ الباقون بالإفراد وقد تقدم تفسير الخلود
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب ﴾ قال : لا يدرون ما فيه ﴿ وإن هم إلا يظنون ﴾ قال : وهم يجحدون نبوتك بالظن وأخرج ابن جرير عنه قال : الأميون قوم لم يصدقوا رسولا أرسله الله ولا كتابا أنزله الله فكتبوا كتابا بأيديهم ثم قالوا لقوم سفلة جهال : هذا من عند الله وقد أخبر أنهم يكتبون بأيديهم ثم سماهم أميين لجحودهم كتب الله ورسله وأخرج ابن جرير عن النخعي قال : منهم من لا يحسن أن يكتب وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ إلا أماني ﴾ قال : الأحاديث وأخرج ابن جرير عنه أنها الكذب وكذا روى مثله عبد بن حميد عن مجاهد وزاد ﴿ وإن هم إلا يظنون ﴾ قال : إلا يكذبون وأخرج النسائي وابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ فويل للذين يكتبون الكتاب ﴾ قال : نزلت في أهل الكتاب وأخرج أحمد والترمذي وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وصححه عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :[ ويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره ] وأخرج ابن جرير من حديث عثمان مرفوعا قال :[ الويل جبل في النار ] وأخرج البزار وابن مردويه من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعا أنه حجر في النار وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ فويل للذين يكتبون الكتاب ﴾ قال : هم أحبار اليهود وجدوا صفة النبي صلى الله عليه و سلم مكتوبة في التوراة أكحل أعين ربعة جعد الشعر حسن الوجه فلما وجدوه في التوراة محوه حسدا وبغيا فأتاهم نفر من قريش فقالوا : تجدون في التوراة نبيا أميا ؟ فقالوا : نعم نجده طويلا أزرق سبط الشعر فأنكرت قريش وقالوا : ليس هذا منا وأخرج ابن جرير عنه في قوله :﴿ ثمنا قليلا ﴾ قال : عرضا من عرض الدنيا ﴿ فويل لهم ﴾ قال : فالعذاب عليهم من الذي كتبوا بأيديهم من ذلك الكذب ﴿ وويل لهم مما يكسبون ﴾ يقول : مما يأكلون به الناس السفلة وغيرهم وقد ذكر صاحب الدر المنثور آثارا عن جماعة من السلف أنهم كرهوا بيع المصاحف مستدلين بهذه الآية ولا دلالة فيها على ذلك ثم ذكر آثارا عن جماعة منهم أنهم جوزوا ذلك ولم يكرهوه وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والواحدي عن ابن عباس : أن اليهود كانوا يقولون مدة الدنيا سبعة آلاف سنة وإنما نعذب بكل ألف سنة من أيام الدنيا يوما واحدا في النار وإنما هي سبعة أيام معدودة ثم ينقطع العذاب فأنزل الله في ذلك ﴿ وقالوا لن تمسنا النار ﴾ الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال : وجد أهل الكتاب مسيرة ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين فقالوا : لن نعذب أهل النار إلا قدر أربعين فإذا كان يوم القيامة ألجموا في النار فساروا فيها حتى انتهوا إلى سقر وفيها شجرة الزقوم إلى آخر يوم من الأيام المعدودة فقال لهم خزنة النار : يا أعداء الله زعمتم أنكم لن تعذبوا في النار إلا أياما معدودة فقد انقضى العدد وبقي الأبد فيؤخذون في الصعود يرهقون على وجوههم وأخرج ابن جرير عنه أن اليهود قالوا : لن تمسنا النار إلا أربعين ليلة مدة عبادة العجل وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال :[ اجتمعت يهود يوما فخاصموا النبي صلى الله عليه و سلم فقالوا : لن تمسنا النار إلا أياما معدودات أربعين يوما ثم يخلفنا فيها ناس وأشاروا إلى النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ورد يديه على رأسه : كذبتم بل أنتم خالدون مخلدون فيها لا نخلفكم فيها إن شاء الله أبدا ففيهم نزلت هذه الآية ﴿ وقالوا : لن تمسنا النار ﴾ ] وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم مرفوعا نحوه وأخرج أحمد والبخاري والدارمي والنسائي من حديث أبي هريرة [ أن النبي صلى الله عليه و سلم سأل اليهود في خيبر : من أهل النار ؟ فقالوا : نكون فيها يسيرا ثم تخلفونا فيها فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم : اخسأوا والله لا نخلفكم فيها أبدا ] وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله :﴿ قل أتخذتم عند الله عهدا ﴾ أي موثقا من الله بذلك أنه كما تقولون وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه فسر العهد هنا بأنهم قالوا : لا إله إلا الله لم يشركوا به ولم يكفروا وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله :﴿ أم تقولون على الله ما لا تعلمون ﴾ قال : قال القوم : الكذب والباطل وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ بلى من كسب سيئة ﴾ قال : الشرك وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد وعكرمة وقتادة مثله وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة في قوله :﴿ وأحاطت به خطيئته ﴾ قال : أحاط به شركه وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله :﴿ بلى من كسب سيئة ﴾ أي من عمل مثل أعمالكم وكفر بمثل ما كفرتم حتى يحيط كفره بما له من حسنة ﴿ فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ﴾