فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير
مستمدا من الله سبحانه بلوغ الغاية والوصول بعد هذه البداية إلى النهاية راجيا منه جل جلاله أن يديم به الانتفاع ويجعله من الذخائر التي ليس لها انقطاع
واعلم أن الأحاديث في فضائل القرآن كثيرة جدا ولا يتم لصاحب القرآن ما يطلبه من الأجر الموعود به في الأحاديث الصحيحة حتى يفهم معانيه فإن ذلك هو الثمرة من قراءته
قال القرطبي : ينبغي له أن يتعلم أحكام القرآن فيفهم عن الله مراده وما فرض عليه فينتفع بما يقرأ ويعمل بما يتلو فما أقبح بحامل القرآن أن يتلو فرائضه وأحكامه عن ظهر قلب وهو لا يفهم معنى ما يتلوه فكيف يعمل بما لا يفهم معناه وما أقبح به أن يسأل عن فقه ما يتلوه ولا يدريه فما مثل من هذه حالته إلا كمثل الحمار يحمل أسفارا وينبغي له أن يعرف المكي من المدني ليفرق بين ما خاطب الله به عباده في أول الإسلام وما ندبهم إليه في آخر الإسلام وما فرض في أول الإسلام وما زاد عليهم من الفرائض في آخره فالمدني هو الناسخ للمكي في أكثر القرآن
وقال أيضا : قال علماؤنا : وأما ما جاء في فضل التفسير عن الصحابة والتابعين فمن ذلك أن علي بن أبي طالب ذكر جابر بن عبد الله ووصفه بالعلم فقال له رجل : جعلت فداك تصف جابرا بالعلم وأنت أنت ؟ قال : إنه كان يعرف تفسير قوله تعالى :﴿ إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ﴾ وقال مجاهد : أحب الخلق إلى الله أعلمهم بما أنزل الله وقال الحسن : والله ما أنزل الله آية إلا أحب أن يعلم فيمن نزلت وما يعني بها قال الشعبي : رحل مسروق في تفسير آية إلى البصرة فقيل له : إن الذي يفسرها رحل إلى الشام فتجهز ورحل إلى الشام حتى علم تفسيرها وقال عكرمة في قوله عز و جل :﴿ ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ﴾ طلبت اسم هذا الرجل أربع عشرة سنة حتى وجدته قال ابن عبد البر : هو ضميرة بن حبيب وقال ابن عباس : مكثت سنتين أريد أن أسأل عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه و سلم ما يمنعني إلا مهابته فسألته فقال : هي حفصة وعائشة وقال إياس بن معاوية : مثل الذين يقرأون القرآن وهم لا يعلمون تفسيره كمثل قوم جاءهم كتاب من عند مليكهم ليلا وليس عندهم مصباح فتداخلتهم روعة ولا يدرون ما في الكتاب ومثل الذي يعرف التفسير كمثل رجل جاءهم بمصباح فقرأوا ما في الكتاب وذكر ابن أبي الحاوي : أن فضيل بن عياض قال لقوم قصدوه ليأخذوا عنه العلم : لو طلبتم كتاب الله لوجدتم فيه شفاء لما تريدون فقالوا : قد تعلمنا القرآن فقال : إن في تعلمكم القرآن شغلا لأعماركم وأعمار أولادكم فقالوا : كيف يا أبا علي ؟ قال : لن تعلموا القرآن حتى تعرفوا إعرابه ومحكمه ومتشابهه وناسخه من منسوخه فإذا عرفتم ذلك استغنيتم عن كلام فضيل وابن عيينة وللسلف رحمهم الله من هذا الجنس ما لا يأتي عليه الحصر